وداعاً للقمامة العقلية

طوال حياتنا نجمع في أذهاننا كل ما يزورها، سواء كانت معتقدات أو أفكار أو ذكريات، يتم تقييمها جميعاً وتخزينها في ذلك المستودع العقلي العظيم، حيث تشير هذه العملية إلى أن خبراتنا لا تتشكل ببساطة بناءً على تجربتنا فقط، بل يتم تصنيفها أيضاً على أنها خبرات جيدة أو سيئة، وهو ما يحدد إلى حد كبير طريقتنا في الوجود والتصرف.
في هذه المرحلة، من المهم أن نفهم أن عقلنا يعمل بشكل تلقائي تقريباً، والأفكار تأتي ومن المستحيل قمعها، وبناءً على هذه الأفكار نتعامل مع تجاربنا الماضية وهمومنا ومخاوفنا وخططنا المستقبلية وندمنا.
وبسبب هذه التلقائية وبما أن العقل لديه سعة تخزينية هائلة، فإننا لا ندرك كمية المعلومات التي تظل متراكمة في أذهاننا، نظراً لأن جزءاً كبيراً من هذه البيانات أصبحت معلومات عديمة الفائدة وعفا عليها الزمن، فلم تعد مفيدة لنا في التعامل مع حياتنا اليومية، بل إنها تتعزز المعتقدات السلبية التي تتداخل بشكل كبير مع حالتنا الذهنية.
هذه المعلومات الزائدة هي ما تعرف بـ “القمامة العقلية” ومثل أي نفايات نولدها، من الضروري التخلص منها من الجسم، نظراً لأن تراكمها يؤثر على صحتنا الجسدية والعقلية، و كم كان أمراً رائعاً و مفيداً لو أن أفكارنا وذكرياتنا ومعتقداتنا يمكن أن يكون لها نظام التخلص التلقائي، لكانت الحياة أبسط وأكثر متعة، لكن العقل يحتاج إلى التحليل والملاحظة الذاتية لمعرفة ما يجب التخلص منه.
النفايات العضوية وغير العضوية مع مرور الوقت تُنتج رائحة كريهة، والقمامة العقلية تُنتج عدم الرضا والتعاسة والقلق والانزعاج العام، ومن هنا تأتي أهمية تنظيف العقل بين حينٍّ وآخر لإزالة ما لم يعد مفيداً قبل أن تُسبب لنا آثار نفسية سلبية، للتخلص من الأفكار والمعتقدات والآراء، علينا أولاً أن نرغب في القيام بذلك، نحن فقط من يقرر المدة التي نريد الاحتفاظ فيها بالذكريات والمخاوف والمشاعر التي تؤذينا.
المعلومات التي تدخل حياتنا تترك بصمة في العقل، و ببقائها هناك تؤثر على تصرفاتنا، وتترك تأثيرات جديدة لكن ليست كلها ذات قيمة، لذلك يجب الانتباه إلى ما نسمح بتنظيفه، على سبيل المثال: (الأخبار المزعجة التي تقلقنا، والمحادثات مع الأشخاص المتذمرين، الذكريات السيئة….) على اعتبارها مفاهيم لا تساهم، بل على العكس من ذلك، لذا يجب إزاحتها في أسرع وقت ممكن، لأنها تجعلنا نعتقد أن هذا هو ما نحن عليه، وأنه واقعنا، وهذا ليس هو الحال، ولهذا السبب من المهم التخلص من “القمامة العقلية”، ولكن كيف؟
١ـ تقنيات الاستنارة بالعبادة: الصلاة وقراءة القرآن والذكر والاستغفار، ففي لحظة السجود يستطيع المصلي التخلص من النفايات العقلية والنفسية والروحية، فمع كل حركة من حركات الصلاة يستطيع المصلي أن يشحن عقله بالنور ويتخلص من النفايات النفسية والعقلية.
٢ـ القبول: أي عدم محاولة تعديل ما لا نستطيع تغييره، بل هو قبول ما حدث كما كان، وليس كما كنا نود أن يكون، وبالتالي عدم محاربة هذه الأفكار، بل تعديل الموقف الذي نواجه به الظروف الثابتة.
لا يمكننا أن نتخيل حجم القمامة العقلية التي تتراكم في كل مرة نحاول فيها تغيير ما لا نستطيع فعله.
٣ـ طرح الأفكار: غالباً ما نتعامل مع الذكريات و الأفكار كما لو كانت حقائق مؤكدة وهي تحددنا دائماً، و لكن من خلال التشكيك في الماضي، يمكننا تغيير الذكريات السلبية من خلال توفير منظور جديد و مختلف عنها.
٤ـ المغفرة: إذا تمكنا من التخلص من الأفكار والمشاعر السلبية بسبب تصرفات الآخرين، فإن المعاناة تختفي، وبالتالي نمنع الأفكار السلبية التي تولد الاستياء من الاستمرار.
إن تنظيف منزلنا العقلي، سيجعل منا أشخاصاً أفضل و يساعدنا على التصرف بالشكل الصحيح في المواقف المختلفة في هذه الحياة.

عيسى العيسى الحداد

عامل اجتماعي خريج جامعة جيان بإسبانيا، حاصل على درجة الماجستير في التبعية والمساواة في الاستقلال الشخصي، حاليا طالب دكتوراة في الرعاية الاجتماعية و الصحية الشاملة.
زر الذهاب إلى الأعلى