( في إدارة الذات؛ كبت المشاعر خطيئة )
تعتبر المشاعر محركاً أساسياً في تعاملاتنا الإنسانية، وهي دافع رئيسي لكثير من أفعالنا وردود أفعالنا بين بعضنا البعض، فالمشاعر تتكون منذ بداية نشأتنا، وتتعاظم وتنمو مع كل موقف وتجربة يمر بها الفرد خلال سنين حياته المختلفة، وترتبط مشاعرنا إرتباطاً وثيقاً بالذكريات، فالذاكرة بمختلف مستوياتها البعيدة منها والقريبة، وماتحويه من صور ومواقف وأشخاص وخبرات ومعلومات؛ تُراكِم لنا المشاعر وتبنيها بطريقة فائقة الدقة داخل أدمغتنا، وتتخلل بطريقة إعجازية إلى شغاف أرواحنا، وذلك كله بأمر الله وقدرته وعظيم خلقه.
إن الحديث عن المشاعر ومكمنها الروح؛ أمرٌ بالغ التعقيد والعمق، حيث يقول الله -تبارك وتعالى- (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، حيث وردت الروح بمعانٍ مختلفة ولها قدسيتها في القرآن الكريم، فهو أمرٌ إلهي يفوق علم الإنسان مهما حاول إدراكه ، لذلك كان التأكيد على مراعاة المشاعر وتفقدها، والأخذ بالخواطر ورعايتها، أمرٌ فائق الأهمية، فتعقد المشاعر وفوضويتها وتضاربها في نفس الإنسان تجعل من حياته وتفاعلاته مع المجتمع أمر صعب ومرهق وثقيل، ثم إن كبت المشاعر وعدم القدرة على إدارتها تودي بالصحة الجسدية إلى الأمراض؛ كالضغط والصداع ومشاكل الهضم وغيرها، وتضع صاحبها في مواقف صعبةٍ وحرجةٍ تهدد سلامه العقلي والنفسي وقد تهدمه.
إن المشاعر المرتبطة بالوالدين هي أعظم ما قد يؤثر في البشر سلباً أو إيجاباً، سواء في تربيتهم لأبنائهم، أو العناية بهم، أو تعليمهم، أو تهذيبهم، وفي جميع مراحل تتشئتهم، فالآباء هم مصنع الذكريات الأول وهم محور المشاعر المغروسة في نفوس أبنائهم.
لذلك كان لزاماً على الآباء؛ التركيز على مدى تأثير المشاعر في تكوين شخصيات الأبناء، وتطورها، وإندماجهم بكل خفةٍ في المجتمع.
وعوداً على المشاعر فإن أغلب جذور المكبوتةِ منها عائد للوالدين، أو بموقف ارتبط بهما، كان فقداً، أو مرضاً، أو إساءة وإيذاءً، أو حزناً، أو حتى فرحاً.
إن خزن المشاعر المؤلمة خطأ فادح في حق نفسك، ثم إن تكدسها على روحك يحجب عنك نسائم الفرح، ويمنعك من الأنس في مواضع السعادة، ومالأخطر من ذلك سوى ورطة انفجارها في موضع شعور مغاير متقد، ستثور في المكان الخاطئ، وفي الوقت الخاطئ، ومع الأشخاص غير المناسبين لاحتواء ثورة المشاعر المكبوته، فلن يسرك أن تخنقك العبرات فتتعثر الكلمات في حين الفرح، أو أن يعميك غضبك عن اتخاذ قرار صحيح، أو أن تنهمر بضعفٍ باكياً وبحرقة في لحظة حب حميمة.
فجدير بك أيها الإنسان “الضعيف ” أن تسعى جاهداً لحفظ هذا الجانب المقدس من روحك، تواصل مع قلبك وإفهم شعورك ولا تتجاهله، ولا تجعل عجلة الحياة تمضي وتترك خلفها مخلفات موجعة، دون أن تطهر هذا القلب مما تراكم فيه.
إن إدارة المشاعر ركيزة ثابتة في إدارة الذات واتزانها، فلذلك كان لزاماً علينا حماية أنفسنا من تأثير المشاعر السلبية بالتفريغ الوجداني العاطفي، والانفعالي وفهم الشعور وتقبله.
حررو ما كبتّ داخل هذه الروح النقية، وتقبلوا تجاربكم السلبية، عبروا عن حبكم وشوقكم ، أو عن غضبكم وحزنكم، تحدثوا عن مخاوفكم الجاثمة على منافذ الروح، حاربوا القلق بالإسترخاء، وحركوا أجسادكم لتطرد ماأثقلها من هموم وأعباء.
ختاماً ..
إن تطهير المشاعر والتعبير عنها بالشكل الصحيح، وفي الوقت الصحيح، مع الشخص المناسب، أو حتى مع أنفسنا؛ هي مهارة لازمة للسلام النفسي، وتعتمد على مدى وعينا بأهميتها، ومدى رغبتنا في الوصول للاستشفاء الروحي وحتى الجسدي، ولننعم بالراحة والهدوء والسكينة، ولتستمر حياتنا وتفاعلاتنا بتوازن، وسعادة وخفة واطمئنان.
دمتم في حفظ الله ورعايته.🌺