فضل الإرشاد وإصلاح ذات البين
الإرشاد والتوجيه وبذل المشورة مما دعت إليه الشريعة الإسلامية و رغَّبت في فعله و رتبت على ذلك الأجر العظيم.
ومهنة الأخصائي الاجتماعي وإن صنفت ضمن الخدمة الاجتماعية حسب التصنيفات والتخصصات العلمية الحديثة إلا أنها تدخل دخولاً أولياً في علم الشريعة، ذلك أن الدين الإسلامي وعلومه وتشريعاته هو محور العلوم الإنسانية كلها وعلى رأس ذلك علم الاجتماع وعلم النفس، وعليه يتضح أن علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية عند المسلمين إنما هو بعلومه ونظرياته مستقى من نصوص الكتاب والسنة، فوافق ذلك الفطرة السليمة وأثبت نجاحاً باهراً.
لذا فإن غياب الدين الذي يمثل البعد الروحي والمعنوي للإنسان، يعوق كثيراً من العمليات العلاجية والتنموية للحالات التي تتعامل معها الخدمة الاجتماعية، ومهنة الإرشاد والتوجيه، و بذل المشورة داخلة ضمن فروع متنوعة من علوم الشريعة ومنها ما يلي :
١- الإصلاح.
٢ـ المناصحة الشرعية.
٣- الدعوة إلى الله .
٤ـ السعي في حاجة الناس.
وعموم النصوص من الكتاب والسنة وآثار السلف في هذه الفروع هي تأصيل شرعي لمهنة الإرشاد والتوجيه .
وجه الدلالة والتأصيل الشرعي لهذه المهنة:
أ – الإصلاح :
– يقول الله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بين أخويكُم وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرحمون )( الحجرات : ۱۰).
ـ ويقول تعالى : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنَكُمْ ) ( الأنفال : من الآية 1 ) .
ويقول سبحانه وتعالى في أمر الشقاق بين الزوجين : إِن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُورًا أَوْ إعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصلحا بينهما صلحا والصلح خير ) ( النساء: من الآية ١٢٨ ) .
– ويقول جل شأنه في أمر الوصايا وما قد ينتج عنها من خلافات أسرية: ﴿ فَمَن خَافَ من موص جنفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلح بينهم فلا إثم عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة : ۱۸۲ ) .
ـ ويقول سبحانه في أمر الجنايات والقصاص : وجَزَاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فاجره على الله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ( الشورى : ٤٠ ) .
– ويقول صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا بلی يا رسول الله : قال : إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) .
ـ وقال رجل لمحمد بن كعب القرضي – رحمه الله – ( ذهبت للإصلاح بين قوم . قال: لقد أدركت درجة المجاهد، ثم قرأ لا خير في كثير من نجواهم … الآية سورة النساء الآية ( ١١٤ ) .
ـ وقال الأوزاعي – رحمه الله – ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار ).
فهذه جملة من الآيات والأحاديث وآثار السلف الدالة على فضل الإصلاح بين المتخاصمين .
والمرشد، والموجه ما هو إلا ساع في الإصلاح بين الزوجين أو بين قريبين أو …، فأي فضل يفوز به من يسلك هذا الطريق، وإن لم يتم الإصلاح فعلاً فيكفي في ذلك أن يسعى المرشد للإصلاح والتوفيق، و من تأمل جملة النصوص نجد أنها تحث على الإصلاح والسعي له ولم ترتب الأجر على نجاح المهمة.
ب ـ المناصحة الشرعية:
– يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد ومسلم عن تميم الداري مرفوعاً (إن الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
– وقال جرير رضي الله عنه: بايعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم ـ رواه أحمد والبخاري ومسلم.
ـ وفي الحديث أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من حق المسلم على المسلم إذا استنصحه أن ينصحه ).
ـ و لمسلم عن معقل بن يسار مرفوعاً إنه قال: ( ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم ).
ـ وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حق المسلم على المسلم ست وفيه فإذا استنصحك فانصح له ).
ـ قال حنبل رضي الله عنه سمعت أبا عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والنصح لكل مسلم).
ـ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ).
فهذه جملة من الأحاديث تدل دلالة واضحة عن وجوب المناصحة وبذل المشورة لمن استشير وطُلِبَ منه النصح.
فهذا تأصيل شرعي لهذه المهنة الخيرة وحري ممن عمل فيها استشعار هذه العبادة العظيمة والتقرب إلى الله ببذل النصيحة بضوابطها الشرعية.
ج – الدعوة إلى الله تعالى :
التوجيه والإرشاد يدخل في باب الدعوة إلى الله تعالى، فالحالات المعروضة على المرشد يتطلب الأمر فيها إلى إرشادات نفسية أو اجتماعية صرفه، وقد يتطلب الأمر إبداء نصيحة إلا أنه غالباً ما يتضح للمرشد أن من أسباب الاضطرابات النفسية وظهور المشكلات الاجتماعية وقوع المسترشد في بعض المخالفات الشرعية سواء في الجانب الديني أو السلوكي والاخلاقي، ومن مكملات توجيه المسترشد إلى الخلل الشرعي الذي وقع فيه وبيان آثاره السلبية وذلك هو الدعوة إلى الله .
والأدلة المتضمنة فضيلة الدعوة إلى الله أكثر من أن تحصر ولكن منها ما يلي :
– قوله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) ( النحل : من الآية ١٢٥ ).
ـ وقوله تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ( فصلت : ۳۳).
ـ وفي الحديث المخرج عن مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
ـ وفي الحديث: ( الدال على الخير كفاعله ) .
والتصدر للتوجيه والإرشاد يجعل المرشد يعيش في أرض خصبة ومجال واسع يمارس من خلاله عبادة من أعظم العبادات وأجلها وهي الدعوة إلى الله ولاسيما إذا كانت المشكلة المعروضة يستلزم الأمر فيها دعوة المسترشد إلى الله وتحذيره من منكرات الوقع فيها، أو تساهل في جلبها إلى بيته، مما يكون لها أثر حتى على دين وأخلاق أسرته. أو رأى المرشد أن المسترشد مفرط في واجبات شرعية هي سبب انتكاسته النفسية، واضطراب حياته الاجتماعية، أو رأى أن الأمر يقتضي توجيهه إلى فعل نوافل ومستحبات بها بإذن الله تخف المعاناة ويفتح له باب الأمل في الحياة .
إن مسؤولية الدعوة إلى الله تقع على عاتق كل مسلم يؤديها عبر مهنته التي يقوم بها، وأقرب تلك المهن لتحقيق هذه العبادة والدعوة إلى الله هي مهنة الأخصائي الاجتماعي بجميع فروعها. إذ هو قريب من قلوب الناس لدخوله في حياتهم الاجتماعية وتفاصيل مشكلاتهم الأسرية الخاصة.
د ـ السعي في حاجة الناس :
الأخصائي الاجتماعي إنما هو بمهنته هذه يسعى في حاجة إخوانه المسلمين وهو سبب في تنفيس كروبهم وزوال همومهم.
والأصل في ذلك قوله تعالى:
– ( مَن يَشْفَعُ شَفَاعَةً حَسَنَةٌ يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ) (النساء : من الآية ٨٥ ) فالآية نص في الشفاعة الحسنة وأن من يفعلها يؤجر عليها، فمن يسعى في أمر يترتب عليه خيراً، يكن له نصيب من ذلك الخير عند الله، والشفاعة الحسنة تدخل في نطاق قضاء حوائج المسلمين عند الله.
– ومن الأدلة قوله تعالى: ( وَافْعَلُوا الخَيْر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الحج : من الآية (۷۷). وما من شك أن قضاء حوائج الناس سواء أكانت بالقول أو الفعل من فعل الخير الموجب للفلاح بإذن الله تعالى.
ـ ومنها قوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ( المائدة : من الآية : (٢ ).
ـ وقوله تعالى : ( وَأَحْسَنُوا إِنَّ اللهَ يحب المحسنين ) ( البقرة : من الآية ١٩٥).
وإرشاد الناس وتوجيههم والسعي لتفريج كربهم هو من التعاون على البر والتقوى وهو من الإحسان المرغب فيه.
ـ ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة … والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ).
– وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ) رواه البخاري.
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشرسنين ) رواه الطبراني والحاكم.
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يعطي قوماً نعماً يُقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملوها فإذا ملوها نقلها إلى غيرهم) أخرجه الطبراني.
فهذه جملة من الأحاديث تدل على فضل السعي لقضاء حوائج الناس، والمرشد إنما يسعى لقضاء حوائج الناس بإرشادهم وبذل النصح لهم نحسبه كذلك، فليسعد بالأجر العظيم إن خلصت نيته.
هذا غيض من فيض و معتصر المختصر من الأدلة الشرعية و أقوال السلف في فضل الإرشاد و الإصلاح.