تكسر الحواجز
إذا كان هناكَ مَن يعمل على هندسة البناء والحجر، فهناك أيضًا مَن يبني ما هو أسمى من الحجر وهو “الإنسان”، وهذا الفرق بين المهندس، وبين مَن يعمل في إطار الخدمة الاجتماعيّة، واحتفالًا بيوم الخدمة الاجتماعيّة تحت شعار “الخدمة الاجتماعيّة تكسر الحواجز” نسلّط الضّوء على المهام الموكلة إلى من يعمل في مجالها ضمن المجتمع؛ حيث يأتي دوره بدايةً من أنّه الشّخص الذي يجب أن يعمل على حلّ المشكلات الاجتماعيّة المنبعثة من العائلة أو من أيّ مصدر آخر، فيكون الأخصائيّ الاجتماعيّ مساهمًا ورديفًا للخطّة العلاجيّة المتّبعة من قبل الأطبّاء بتوفير البيئة الاجتماعيّة والنفسيّة للمريض، والبحث خلف تلك الأسباب التي من الممكن أن تكون ناشئةً عن عادات وسلوكيّات خاطئة ينشأ عليها الفرد في مرحلة من مراحل حياته وذلك بالاعتماد على طرق علميّة مدروسة.
حيث إنّ مبعث المشكلات والأمراض التي يعالجها الأخصائيّ الاجتماعيّ مبعثٌ اجتماعيّ سببه البيئة والمجتمع المحيط بالفرد، ويتمحور هنا دوره بأن يعمل على حلّها وفق المجتمع الذي يعيش فيه مَن يواجه المشكلة. وهذه المشكلات لا حصرَ لها، منها الفقر، التمييز، سوء المعاملة، الأمراض البدنيّة، الطّلاق وآثاره، البدانة ومنعكساتها السلبيّة على الشّخص، الخسارة وما يمكن أن تولّده من مشكلات اجتماعيّة وشخصيّة، وأيضًا الإعاقة وحالات الإدمان، وغيرها من المشكلات…
الآن إذا كان لنا أن نتحدّث عن الخدمة الاجتماعيّة بيومها فيهيب بنا أن نجلّ احترامًا كبيرًا لهذا العلم الذي بفضله استطعنا أن نخرج بمجتمعٍ صحيّ قدر الإمكان، وقدر الجهود المبذولة والمعطيات الموجودة بين أيدي المختصّين، وأن نقدّر ما تسعى إليه مؤسسات الخدمة الاجتماعيّة من خدمات لرفع شأن هذا العلم وتدعيم فكرة الأخصائيّ الاجتماعيّ كشخصٍ يعمل على هندسة النّفس البشريّة وإنقاذها ممّا يمكن أن يودي بحياتها ليس موتًا فحسب، بل أيضًا يمكن أن يتّخذ مَن يعاني مشكلةً أسلوب حياة غير سليم، وهذا بدوره يجعل من الموضوع تراكمًا فتنشأ أجيالٌ بأكملها تشكّل عالة على المجتمع وعلى نفسها.
ولنا أن نصدّق الحاجّة الماسّة لأن نفتح أعيننا على ما ترمي إليه الخدمة الاجتماعيّة، وما تحقّق من أهداف بإمكانها أن تعيد النَّفس إلى شخص كان يشعر بالموت وشيكًا منه، والحياة مُنطفِئة في نظره. فكلمة أو مشورة من المختصّ قد تُوجِد حلًا لمشكلة أو تقضي عليها بتاتًا؛ خاصّة وأنّ مجال الخدمة الاجتماعيّة متّسع للأعمار كافّة كما للمشكلات كافّة، فمنهم من يقف على مشكلات الأطفال التي ترافق مرحلة الطفولة أو مشكلات الشباب أو كبار السنّ بالتنسيق مع مؤسسات أو جمعيات سواء أكانت حكوميّة أو غير ربحيّة.
وليس أسمى من أن نحتفل بهذا اليوم، وأن تكون الخدمة الاجتماعيّة هي الخطوة الأولى في كسر الحواجز التي تحيل دون وجودنا على مسافة قريبة من حلّ مشكلاتنا، وأن نحتفل بما قدّمناه من إنجازات ضمن عملنا من نشر برامج توعويّة وغير ذلك، وأن ندرك كم لوجوده من أهميّة بعدّه أساسيًا في المجتمعات من حيث ترميم نَفْسٍ إنسانيّة بطريقة علميّة مبنيّة على القيم والمبادئ الرّاسخة وهذا أروع ما يمكن أن يقدّمه إنسان لإنسان في ظلّ ما يعانيه العالم اليوم من مشكلات، وألا يكون هناك مجال للانغلاق أو التكوّر على ذاتنا دون غيرنا، ولا حتى الوقوف عند حد معين، بل إطلاق أنفسنا في كل اتجاه وصوب، ونصيحتنا لك في هذا اليوم قابل أخصائيًا اجتماعيًا واكسر حاجزًا يمنعك من ذلك، وضعْ الحجر الذي يسدّ طريقك جانبًا.