النّدم؛ محطّة في الحياة
لا بدّ وأن يمرّ كلّ شخص منّا في مرحلة من مراحل حياته نادمًا على شيءٍ ما، قد يكون أمرًا فاته لم يتحدّث عنه، أو أمرًا لم يفعله وندم لو أنّه أقدمَ على فعله، أو حدثًا وتجربة مرّ بهما وتمنّى لو لم يكونا في ذكرياته.
وقد لا ينحصر النّدم في الوقت الماضي على ما فات، بل أحيانًا قد يكون على ما هو حاضر، فيندم شخص ما على القبول بعمل معين أو رفضه، أو السفر إلى بلدٍ ما والاستقرار فيه، أو يندم على عدم معرفته لشخصٍ آخر.. فكلّ ما نمارسه في حياتنا هو اليوم من المحتمل أن يصير محطّ ندم.
ومن نظرة مختلفة، هل يمكن للنّدم أن يكون تصرفًا صحيحًا وسليمًا؟
لا خلاف أن الندم في طبيعة الحال لن يغيّر من حقيقة ما حدث، ولن يرجعنا إلى الماضي وهذا مع الوقت سيتحوّل من ندم إلى تفكير زائد وجلدٍ للذّات، والوقوع في فخّ الماضي، وهذا بدوره يمكن أن يمنع الشّخص النّادم عن المضيّ قدمًا وسيظلّ حزينًا مهمومًا ومتحسرًا على ما فاته وما حدث معه.
لكن على أيّة حال لن ننكر أنّ الندم مع مساوئه التي تعود على الإنسان سلبيًا في كلّ جوانبه، إلا أنه قد يحمل جانبًا إيجابيًا تمثّل في أن يكون بداية للتغيير، ودرسًا من دروس الحياة لا يُكرّر الوقوع بالخطأ فيه، وقد يكون رحلة إيمانيّة جديدة تُبشّر بالتوبة إلى الله تعالى، فيكون ندمًا على ما فات من تقصير وتجاوز ويتبعه شخص جديد لا يعلق في ذاكرته ندمه إلّا ليكون بابًا لأبوابٍ أخرى وبدايات جديدة. ولهذا لا يُنظر إلى النّدم على أنّه تعاسة ومجلبة للدمار والانهيار، بل علينا أن نعامله معاملة القبح الذي يُظهر الجمال.
ولأنّ الإنسان لا يمكنه أن يمنع نفسه عما يختلجه من مشاعر ولو كانت توحي بالندم على ما فات أو ما هو بين يديه، إلّا أنّ عليه أن يحاول في جعل الأمور كلّها تسير وفقًا لمصلحته دون أن ترمي به في طريق الهلاك، واستدراك أنّ ما يُندَم عليه لم يكن إلّا مساهمًا في بناء شخصيّة الفرد، وتشكيل جزءٍ مهمٍّ في حياته.
فالتأمّل خيرٌ من النّدم ومن خلاله يمكن أن يمنح الإنسان لنفسه أحقيّة صنع التطوّرات الجديدة في حياته وعلاقاته وعمله المهنيّ لتكون درسًا لا حسرةً.