استراتيجيات تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة و جودة الحياة في ٢٠٣٠
تسعى المملكة العربية السعودية بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين – حفظهم الله ورعاهم- ، إلى تطوير الأفراد والارتقاء بمهاراتهم والرفع من جودة الحياة المتمثل في تمكين كافة الأفراد بمختلف قدراتهم وحاجاتهم، لا سيما ذوي الاحتياجات الخاصه ،حيث تجسد ذلك في
رؤية ٢٠٣٠ في برامجها المختلفة. لم تغفل الاستراتيجية التنموية في المجتمع السعودي عن حجم ذوي الاحتياجات الخاصة، ومدى قدرتهم
في دفع عجلة التنمية في كافة القطاعات، حيث بلغت نسبتهم ٧.١٪ من أجمالي سكان المملكة، بتصنيف أن ٧٠٪ لديهم صعوبة خفيفة ( من ناحية ذوي الصعوبة واحدة)، و٤٤٪ لديهم صعوبة خفيفة ( من ناحية متعددي الصعوبات )، و هذا ما يوضح أن بعض ذوي الاحتياجات الخاصة قادرين و راغبين بالعمل. وهنا نصل إلى واحدة من أهم قضايا العمل و هي تمكين هذه الفئة العزيزة القادرين على العمل و رغبتهم و بحثهم عنه مع
اهليتهم وقدرتهم العالية على الإنتاج و تحقيق اهداف العمل، و بذلك يتكون لدينا تساؤل الرئيسي : ما الأسباب المعمقة لمشكلة البطالة لذوي الاحتياجات الخاصه؟
تكمن الإجابة عن هذا التساؤل باستخدام واحدة من أهم النظريات في علم الاجتماع ألا وهي النظرية التفاعلية الرمزية، والتي تنظر إلى أن التفاعلات بين الافراد تقوم على رموز عقلية يتبناها الفرد عن شخص أو فئة معينة و يتم تناقلها بين الأفراد دون البحث عن حقيقة هذا الرمز أو واقعيته ، وهذا ما نستطيع رؤيته في تفاعل المجتمع مع ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف دراجتهم بضعف قدرتهم على العمل مهما كانت مؤهلاتهم ، و هذا ما انتج عنه أزمة اقتصادية يمكن تفاديها ، حيث بلغ مجموع ما انفقته المملكة من صرف رواتب لذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية ما يصل إلى ١٦٧ مليار ريال في عام ٢٠٢٠ ، و
قد كانت النفقات الصحية في المركز الثاني من ناحية الصرف بعد التعليم .
من الملفت للأهتمام تمكن الاستراتيجيات التنموية في المملكة العربية السعودية في تفادي هذه الأزمة عن طريق تحقيق جملة من الممكنات التنموية لهذه الفئة المميزة في العديد من برامج تحقيق الرؤية و بشكل خاص برنامج التحول الوطني وهو واحد من أهم البرامج و أكثرها ابتكارية و الذي يعمل على تحقيق ٣٤ هدف تنموي، حيث تنوعت ما بين تطوير البنية التحتية اللازمة، وتهيئة البيئة الممكنة للقطاع العام والخاص وغير
الربحي لتحقيق رؤية ٢٠٣٠، يستهدف برنامج التحول الوطني تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة حيث بلغ مستهدف التمكين لذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل ٧.٧٪ في عام ٢٠١٦م، وبتوفيق من الله ثم بتوجيه من الإدارة الحكيمة وصلت نسبة المُمّكنين من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى ١٢.٢٪ في عام ٢٠٢١م، في مختلف المجالات وتم الاعتراف بهم كقوة محركة لعجلة التنمية قادرة على التغيير والمشاركة بتحقيق مستهدفات الرؤية بشكل فعال ومميز.
ويحيلنا هذا الأمر في تفسيره من المنظور السوسيولوجي، إلى أن ميل الأفراد في تفاعلاتهم الاجتماعية إلى تبادل المنفعة في ما بينهم من ناحية التكلفة و العائد، ولا يقتصر العائد بأن يكون ماديا بل قد يكون العائد اجتماعيا أو نفسيا في بعض الأحيان ، و هذا ما نلاحظه في خطة المملكة في تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة في الجانب التنموي.
فقد عملت المملكة نحو تحقيق المستهدف التنموي لهذه الفئة العزيزة من خلال إقامة عدد من البرامج والخدمات الممكنة لهم الوصول إلى العمل منها : برنامج توظيف ذوي الإعاقة (توافق) والذي يقوم على تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة في القطاع الخاص، برنامج العمل عن بعد والتي اطلقته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بهدف إيصال أصحاب العمل إلى الباحثين عن العمل ، كذلك خدمة موائمة والتي تقوم بتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إيجاد بيئة عمل مناسبة وتوفير مختلف الأدوات المساعدة على نجاحهم وتشجيع المنشآت في القطاع الخاص على توفير البيئة المناسبة لهم وأخيرا تمكنهم في الحصول
على شهادة مؤامة استنادا على المعايير و الشروط.
ومما سبق ُيمكن القول بأن الاستراتيجية التنموية في المملكة استطاعت أن تعمل على تحقيق أحد أهم مستهدفاتها والمتمثل في الرفع من جودة الحياة بتمكين شريحة مهمة من شرائح المجتمع الطموحين والقادرين على العمل وحصولهم على مكانة مرموقة في المجتمع، ورفع نسبة تمكينهم إلى ١٢.٢٪، وإتاحة العديد من الخدمات المسهلة والمساعدة لهم للوصول إلى النجاح وتهيئة بيئات العمل المختلفة بما يتوافق مع احتياجهم،
و هذا كله يصب في تحقيق التنمية الاجتماعية في المجتمع السعودي.
روان الغامدي