لتنمية اجتماعية واعدة.
من أهم القضايا الاجتماعية التي تواكب عمليات التطور والتغير في المجتمعات قضية صراع الأجيال وخاصة في المجال أو الجانب الفكري حيث أنه ينطوي على تناقض الأفكار بين الأجيال فكلما زاد ذلك التناقض زادت تلك الفجوة والذي يُنتج جيلين لكل منهما منطلقة الفكري الخاص به، ومن هنا ينتج سؤال ما أسباب ظهور تلك الفجوة؟
عند التمعن نرى أن العامل الفكري والثقافي يكاد يكون العنصر الرئيسي الذي يدور حوله الصراع أو بالأحرى من أهم الأسباب لذلك، اذن ماهي أهم الممارسات أو الحلول التي قد تحد من ظهور تلك الظاهرة؟
يمكننا أن نقول ولضمان الحصول على مجتمع مندمج الثقافات ومتماسك ذو قاعدة متينة خالي من الصراعات الفكرية والثقافية يجب ربط التراث الفكري للمجتمع بالعمليات التنموية وجعلها قاعدة انطلاق للعمل التنموي المخطط له في المجتمع، فجميعنا نعلم بأن التنمية تعتمد على التراث الفكري و المعرفي للمجتمع الإنساني و التفاعلات بينه و بين الإنسان و البيئة المحيطة به، حيث أن للتراث الفكري والمعرفي للإنسان علاقة قوية بنجاح أو فشل أي عملية تنموية للمجتمع من منطلق أن أول خطوة لنجاح أي عملية تنموية لا بد أن تبدأ من البناء الثقافي المعرفي أو البناء القيمي للمجتمع، ومما لا شك فيه بأن الاهتمام بها يعد من أهم أسباب نجاح أي تخطيط تنموي، وأن سبب فشل أي خطط تنموية هو إغفال أو تجنب الجوانب الثقافية أو القيم الراسخة أو العادات أو التقاليد للمجتمع الإنساني، ومن هذا المنطلق نرى بأن التنمية لا تكتسب معناها الحقيقي إلا إذا نُظر إليها أولاً وقبل كل شيء من زاوية البعد الثقافي الذي يجعل منها ناتج التداخل والتكامل بين ما هو أصيل متجدد وما هو حديث يتأصل في جميع مجالات الحياة.
وعليه فأن نجاح أي عملية تنموية هي التي تنطلق من التراكمات الفكرية والمعرفية للمجتمع , فإذا تجاهلت التنمية التراث الفكري والمعرفي للمجتمع فإنها تتعرض للكثير من العقبات والصعوبات التي تكمن في عدم الانسجام بين القديم و الجديد أو بين العلوم الحديثة وما تشمله الثقافة والقيم من معارف وظهور الفجوات الفكرية والصراعات بين الأجيال، باعتبار أن أي تخطيط خارج نطاق الفهم لسلوكيات الإنسان تعد التنمية حينها قد ابتعدت كثيراً عن تحقيق أهدافها المنشودة، لذلك يجب ربط كل ثقافة بواقع المجتمع, فإن ثقافة أي مجتمع و تراكماته المعرفية والفكرية تعتبر أمور أساسية للتنمية فهي مفتاح نجاح لأي تنمية راسخة، بالإضافة إلى ما تحققه للإنسان من احترام لفكرة واحترام لعقلة و حفظ لكرامته .
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول أن الإنسان وثقافته يعد مورد مهم في عمليات التخطيط التنموي في أي مجتمع كان ويعتبر محور أساسي لها حيث أن التنمية الواقعية و المتأصلة لن تتحقق بمعزل عن الفكر والثقافة المجتمعية، وذلك عن طريق الانطلاق من التراث الفكري و المعرفي و التراكمات الثقافية له و بناء عليها بداية تنمية جديدة تسعى للنهوض بذلك الإنسان و المجتمع، ومحاولة لتطويره ودمجه في الثقافات الجديدة دون أن يكون هناك فجوة أو تناقض وذلك عن طريق المحافظة على القديم من تراثٍ معرفي وفكري ومحاولة نقل المجتمع إلى ما هو جديد والوصول إلى درجة عالية من التكيف و التقدم .
وأخيراً ولمستقبل تنمية واعدة لأي مجتمع لا بد من الاستفادة الكاملة من التراث الفكري والمعرفي والثقافي المتنوع الذي يمتلكه أفراد المجتمع والقيام على تحويل تلك الثقافة المعنوية إلى ثقافة مادية ملموسة يستفيد منها الأفراد مستمدة من تراثهم الفكري والثقافي.