هَل يَموت قَلب الأخصّائي الاجتِماعيّ بَعد سَنَوات مِن المُمارَسَة؟!

عِندما تَزور قِسم الطَّوارئ لِأيّ مَشفى، يأخذك الاستِهجان مِن رَدّة فِعل بَعض الأطِبّاء، وتَتَساءل في ذِهنك هَل حَقًّا هؤلاء “مَلائكة رَحمة”؟!
رُبَما تَحوم في فِكرك أيضًا أطيافًا مِن تَساؤلات شبيهة، إذا ما زُرتَ مَركزًا تَنمويًا أو إغاثيًّا أو خَيريًا.. كَمَكاتِب الضَّمان الاجتِماعيّ ومَكاتِب التَّشغيل ومؤسسات العَمَل الخَيريّ!
قَد يَغلِبك ظَنّ أنّ مُعظَم العامِلين في هذه الأماكن لا يَستَحِقّون مَكاناتهم فيها! هذا إن لَم تَنطَلِق تِلك الأفكار مِن حَيِّز التَّساؤلات والتَّكَهُّنات، وتُتَرجَم على هيئة سُلوك حاد بَينَك وبين مُزَوِّدي الخَدمات!
لَعَلَّ مُجمَل كُلّ هذا صار لأنّ بَعض العامِلِين قابَلوك بِنَوع مِن البُرود العاطِفيّ! فَشَعرتَ بانتِقاص كَرامتك وانتِهاك شيئًا مِن حُقوقِك كَمُواطِن!
إنَّ مِن حَقّك كَمُواطِن أن تَعرِف لماذا رأيت ذلك؟ ولكِن مِن واجِبِك كَمُواطِن أيضًا أن تَرى ما خَلف الصُّورة.
كَتَبَت الأخصّائية الاجتِماعيّة الاكلينيكيّة أ. تهاني الأهدل في مَقالها “تَعَب الرَّحمة”:
“يوجَد تَعَب وإرهاق عاطِفيّ مِن الرَّحمة والشَّفَقة على الآخَرين، فنَجَد أنفسنا ضحايا الإشفاق بِشَكل لا شُعوري، لِنُدرِك بَعدها بأنَّ لَدينا صُعوبة في إظهار التَّعاطُف”. ثُمّ أردَفَت: “كُلّنا مُعَرَّضون”! مؤكِّدة أنّ أكثرنا عُرضة هُم العامِلون في المُنَظَّمات والجَمعيّات الخَيريّة!
المُواطِن الكريم، إنّ ما رأيتَه هو حَقيقة النَّفس البَشريّة الّتي تَمرَض وتَطَلُب المُساعَدة، فالأخصّائي الاجتِماعيّ لم يأتِ مِن كوكب آخر، إنّه مِثلك.. كُتلة مَشاعِر وطاقة هائلة قَد تَنطفئ بلِحظة إعياء! يوميًا تَمُرّ عليه عَشَرات الحالات باحتياجاتهم المُختَلِفة؛ مما يَجعله يَراك أحدهم -لَستَ أوّلهم ولا آخِرهم-! فإن كُنتَ صاحِب حاجة مُلِحّة، فَقَد رأى قَبلك وسَيرى بَعدك أصحاب الحاجات الأكثر إلحاحًا! هذا لا يَعني بالمُطلَق أنّه لا يَراك ولا يُقدِّرك، أو أنَّه يَنتَقِص مِنك كَفَرد يَستَحِق الإكرام؛ إنّما يَراك صورة واحِدة بِجَميع زَواياها فيُعطيها نِصابها باتّزان دون تَهويل!
المُواطِن الكريم، ستُدرِك مَع الوَقت أنّ الأخصّائي الاجتِماعيّ المُمارِس المُتَمرِّس هو أكفأ مَن يَرى الصُّورة بِرَوِيّة وعَدل وحِكمة.. وتأكَّد أنّ قَلبه وضَميره لا يَموتان بالتعوُّد والسَّنوات وإن تَأذَّيا! لأنَه أقسَم أن يُحافِظ عليك حُبًّا وطَواعِيّة. فأعِنه بإحسان ظَنّك وصَبرك والتِماس عُذرك!
الأخصّائي الاجتِماعيّ الكريم، كم أنتَ رائع بِرَحابة صَدرك وابتِسامَتك! فالزَم استِشفاءك الذّاتي على الدَّوام!
صاحِب القَرار الكريم، راحة العُمَلاء أولى الأولويات.. كافئ الأخصّائي الاجتِماعيّ، دَرِّب وهيئ له أفضل الوَسائل والبَدائل، قَلِّل ساعات العَمَل وعَدَد الحالات، استَقطِب مَزيدًا مِن العامِلين، افتح بابًا مُنَظّما للتَّطوُّع!
معًا لانتِظام خَفَقان هذا القَلب، يدًا واحِدة لِنُجري الدَّم في الجَسَد الواحِد.

عُلا أسامه فرج

أخصائية اجتِماعية، باحِثة ماجستير خِدمة اجتِماعية. فِلَسطين- غَزّة.
زر الذهاب إلى الأعلى