بعيدًا عن الوكر
“عندما جاء يوم الأحد وأرادت الصبية أن تنطلق انتابها خوف كبير، لم تدر له سببًا، ولكي تعلِّم الطريق للعودة ملأت جيبها بحبوب البازلاء والعدس”[1].
يُحكى أن فتاة جميلة، تزوجت من رجل غريب، فصارت عروسًا، وعندما قال لها عريسها: تعالي إلى داري فإنها وسط الغابة المعتمة، حيث الظلمة قاتمة.. أحست الخوف، ولكنها لم تستسلم له، حتى خرجت حية ترزق من وكر المجرمين..
لنقل: إن الخوف وكر لسفاحين، وأنت إن خفت، استسلمت لهم فقطعوك إربًا إربًا.. فما الذي عليك فعله؟
- العريس المجرم: “تعالي إلي”:
هكذا استدرج العريس عروسه، وقد كان سفاحًا رفقة بضع من أصحابه، يطبخون العذراوات ويلتهمونهن.. القصة بشعة في نظري لكنني أرى أنها تسلط الضوء على الكثير من الأمور، من بينها: المشاعر.
المشاعر كهذا العريس، تقوم باستدراجك في كل مرة تفكّر فيها، فمثل هذه المشاعر: الخوف والحزن.. عبودية، “حيث تقع علاقتنا مع الآخرين بطريقة لا يمكننا دائمًا سردها أو شرحها، بطرق غالبًا ما تشتّت وعينا بأنفسنا الذي نحاول تقديمه، وبالطرق التي تتحدّى فكرتنا عن أنفسنا باعتبارنا مستقلين ذاتيًا وممسكين بزمام الأمور”[2]، ولكننا فعلًا أمام مشاعرنا نقف حائرين، فلا نملك ردها، وغالبًا ما ننساق وراءها دون أن نفكّر في عاقبة الأمور، ودون أن نجعل لأنفسنا طريقًا للعودة كما فعلت العروس، حين ألقت البذور في طريقها نحو الوكر.. فالمشاعر؛ خاصة تلك القوية التي تسيطر علينا، تلقي بنا في متاهات، فنجد أنفسنا بلا توازن، فهي تثقل كاهلنا بشكل يفوق قدرتنا على التحمل.
لكن علينا ألا ننسى أن المشاعر ليست ملكنا، لأن الآخر جزء منها، فمن حقّه أن يعرفها لو استدعى الأمر ذلك.
- العروس الخائفة: محاولة للعودة:
نعم، المشاعر تسجننا وتحبسنا.. لكنها ليست سلبية إلى هذه الدرجة، فبدونها نتيه، فالمشاعر “تملأ الفراغ في الرسالة وتعطيها خصوصية ودفئًا إنسانيا، وبدونها نكون في دنيا من الاغتراب. لا نستطيع فهمها، وبالمشاعر نتعرّف على الآخر بصفته واحدًا منّا، وشخصًا من الممكن أن يكون لدينا معه صلة، لأنّ لدينا معه أشياء مشتركة توجد في أمور أخرى غير تلك الظّاهرة”[3].
لذا قامت العروس بما عليها فعله، تشجّعت ودخلت غمار الغابة المظلمة حتى تلقى عريسها، ولكن هذا لم يمنعها من أن تحتاط لخوفها، فالأولى: الإقدام، ثم الاعتداد بالمشاعر من أجل العودة إن حدث وصدقت تلك المشاعر.
- طائر محبوس: إشارة ونذير:
إن المشاعر نتاج عملية معالجة “يتم فيها عكس الانفعالات والسّماح لها بالظهور بوصفها خبرات وشعورًا بحالات الشدّة الوجدانية”[4]. ولكن، كيف يمكننا أن نثق في مشاعرنا؟
تخيّل أنك مكان العروس، وعندما هممت بدخول منزل عريسك، وجدت طائرًا في قفص يقول لك: “عودي عودي، يا صبية يا عروس، فوكر المجرمين هذا ألعن من كابوس”[5]، لعلّك ستعود أدراجك راكضًا بخوف، ولكنها لم تفعل ذلك، بل تجاوزت ذاك الخوف، ولو أن الإشارة صدرت لها عن أن خوفها كان في محلّه.. لكنها احتاجت لشيء أقوى: اليقين.
- “صغيرتي.. إنه وكر المجرمين”:
احتاجت العروس إلى إشارة أقوى، امرأة تعمل لصالح أولئك المحتالين، أخبرتها الحقيقة الكاملة مفصلة، حتى علمت الفتاة من يكون عريسها هذا.. لذا أذعنت لها، واختبأت، كما أملت لها.. ولمّا جاءوا وأكلوا وناموا.. تسلّلت بعيدًا.. ولكن كان عليها أن تقابله فيما بعد.. كان عليها أن تواجه مخاوفها تلك.
إذًا، فالعواطف ليست عشوائية، بل لها أسباب، سواء من تجارب سابقة أو أحاسيس أخرى اكتسبناها أو اختبرناها عبر الزمان، فنحن “نغرس عواطفنا بناءً على خبراتنا الحياتية من خلال مشاهدتنا لتأثير تعبيرنا على أنفسنا والآخرين”.
لذا: اعرف نفسك وعِ بمشاعرك، اسأل نفسك: لمَ انتابتني هذه المشاعر وهل لها من داعٍ؟، ثم امض في طريقك، تسلّح بها، ولا تجعلها سلاحًا ضدّك، واترك لنفسك طريقًا تعود منه.
- رأيت حلمًا:
حكت العروس يوم الزفاف لعريسها عن حلم رأته، وسردت له فيه كل ما حصل لها حينما ذهبت إليه، أمام الحضور، فوقعت الحجة عليه، هي لم تستطع التعبير عن مشاعرها بالكلام، فهذا يستحيل، لأن مشاعرنا مرتبطة بإحساسنا الداخلي، ولم يطلع عليه أحد إلا الله، لكنها كانت ذكية، فأخبرتهم القصة، ووقع في نفوس السامعين ما وقع في نفسها من مشاعر. واتضح كل شيء أخيرًا..
خلاصة:
- توكّل على الله واستعن به، اسأله الهداية والتوفيق والسداد.
- باشر عملك، واستخر الله فيه.
- لا تكن سريع الاستجابة لعواطفك، ولا تهملها البتة.
- استبدل أفكارك السلبية بالتفكير في العواقب.
[1] حكايات الأخوين غريم، ص212.
[2] ستيفن فروش، المشاعر، ص23.
[3] ستيفن فروش، المشاعر، ص54.
[4] ستيفن فروش، المشاعر، ص39.
[5] حكايات الأخوين غريم، ص213.