الولاء التنظيمي التحديات والآثار

الباحثة/سارة العتيبي
قسم الدراسات الاجتماعية
جامعة الملك سعود
شهدت السنوات القليلة الماضية اهتمامًا خاصًا من الباحثين بمفهوم الولاء التنظيمي؛ بوصفه من المفهومات المهمة ، وذلك في إطار اهتمامهم بحل مشكلات العمل المختلفة، وتحقيقِ أكبرِ قدرٍ من الفاعلية (العمري،2004: 119).
وأشار العديد من الباحثين إلى تأثير الولاء على العديدِ من المُخرجات التنظيمية، لذا أخذت دراسة الولاء أبعادًا كثيرةً ومختلفةً من مجرّدِ دراسةِ الطرق المختلفة لقياس الولاء إلى دراسةِ المخرجات المترتبة علية، لهذا يُعدُّ الولاء عاملا ً مهمًا من عوامل النجاح وتحقيق الكفاءة، ولعل خيرَ مثالٍ على ذلك ما نلاحظهُ في التنظيمات اليابانية التي تتفوق في الإنتاج على مَثيلاتها في مختلف بلاد العالم، ويُعزى هذا التفوق إلى ارتفاع درجة الولاء، وأشار إلى ذلك كل من: برينبيرج .J Brinbirg .G وسنوادجراسSnodgrass .C، حيث أكدا أن التفوق الياباني يرجع إلى ارتفاعِ مستوى الولاء لدى العمال (عبدالله،2022 :4).
يُعدُّ مفهوم الولاء مفهومًا قديمًا؛ تطرق إليه علماء الاجتماع والسلوك في أوقاتٍ سابقةٍ؛ حيث حاولوا إعطاء التفسيرات والاجتهادات القائمة على أن الإنسان كائن اجتماعي يعيش مع أفراد في بيئةٍ اجتماعيةٍ منظمةٍ تتطلب الحياة فيها التعاون والانتماء والإخلاص للوصول إلى الغايات والأهداف، كما أشار هؤلاء الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية إلى أن الولاء التنظيمي هو امتدادٌ للولاء الاجتماعي المُتمثل في الفرد وولائِه وانتمائِه للمجتمع الذي يعيش فيه.
لذلك فإنَّ علماء الاجتماع يؤكدون أن للولاء الاجتماعي ثلاث ركائز أساسية، إذا توفرت في البيئة التنظيمية فإنّها تُساعد على تماسك الولاء التنظيمي وبقائه واستمراريته، وهي ركيزة الولاء المستمر، ركيزة الولاء التلاحمي، ركيزة الولاء الموجه.
وعليه تعددت التعاريف ، حيث عرّفه بعضُ الباحثين بأنه: “حالة يتمثل فيها الفرد بقيمِ وأهدافِ المنظمة، ويرغب الفرد في المحافظة على عضويته فيها لتسهيل تحقيق أهدافه” (الساعاتي والساعاتي:2006، 192).
ومن ثَـمَّ فإنَّ هذه التعاريف وهذه المقومات تدعو إلى استنتاجِ بعض الجوانب المهمة لفهم الولاء التنظيمي، ودراسته دراسةً جيدةً بشكل يُساعدُ الإدارة على تطوير نماذج تساهم في زيادة آثاره الإيجابية الهادفة إلى زيادة الإنتاجية، والاستمرار في البقاء والنجاح، وتتمثل هذه الاستنتاجات في:
1- إن الولاء التنظيمي ومفهومه وطبيعة تركزه على اتجاه واحد يُعدُّ حالةً يتحقق فيها التكامل والتوافق بين الفرد والمنظمة، الأمر الذي يترتب عليه التفاعل الإيجابي نتيجةً للطموح الوظيفي، ورغبةَ الأفراد في تحقيق النمو والتقدّم والعمل على تحقيق أهداف المنظمة.
2- الولاء لا يُفرض فرضًا على الأفراد العاملين بل هو حالة من الاندماج والتكامل بين الأهداف الموحدة للمجموعة والمنظمة (إسماعيل:2015، 3).
تكمن أهميته في الإنتاجية العالية عندما يكون الفرد ملتزمًا بمنظمته، فإنّه يعمل بجدٍ، ويسعى إلى تحقيق أهداف المنظمة بكل فعاليةٍ وكفاءةٍ، وفي الاستمرارية والاستقرار حيث يُسهم الولاء التنظيمي في تحقيق الاستقرار في المنظمة من خلال تقليل معدلات الانتقال والتبادل في العاملين.
عندما يشعر الأفراد بالانتماء والولاء لمنظمتهم، يكونون أكثر عرضةً للمساهمة بأفكارهم والمساهمة في الابتكار والتطوير، كما أن الموظفون الذين يشعرون بالولاء لمنظمتهم عرضةً للبقاء فيها لفترات طويلة، كما أنهم يسهمون في جذبِ المواهب الجديدة إلى المنظمة، كما يُعزز التواصل والتعاون بين أفراد المنظمة، مما يؤدي إلى بناء فرق عمل قوية ومتكاملة (طه، :1993-848).
وفي ضوء هذا الفهم، يُعد الولاء عاملًا أساسيًا في نجاح المنظمات، حيث يؤثر بشكل كبير على أدائِها وفعاليتها من حيث القيادة الفعالة القادة الذين يظهرون الرؤية والتوجيه الجيد، ويظهرون اهتمامًا بمصلحة الموظفين، ويتفاعلون معهم بشكل فعّال، الثقة والعدالة عندما يشعر الموظفون بأن هناك عدالةً في المنظمة، سواءً في التعامل معهم أو في توزيع الفرص والمكافآت في بيئة داعمة ومُحفزة تشجع الموظفين على الانخراط وتُعزز من مستويات الولاء عندما يشعر الموظفون بأن هناك فرصًا للتطور المهني والترقية داخل المنظمة، فإنّهم يكونون أكثر استعدادًا للالتزام والبقاء والتطور عندما يتحقق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية إن المنظّمات التي تُقدّمُ دعمًا لموظفيها للحفاظ على التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية يساعد في زيادة شعور الانتماء (عبد الرحمن:2010، 55).
في المملكة العربية السعودية، هناك عدة تحديات قد تؤثر على مستوى الولاء التنظيمي للموظفين، ومنها التنافس على المواهب الوطنية والدولية مع التطور الاقتصادي والتقدم التكنولوجي في المجتمع السعودي، يشهد سوق العمل تنافسًا شديدًا على المواهب المحلية والدولية التي خلقتها رؤية 2030، مما قد يؤدي إلى انتقال الموظفين بحثًا عن فرص أفضل، التحولات الاجتماعية والثقافية يعيش المجتمع السعودي تحولاتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ مهمة، نتيجة التغيرات المتسارعة.
تطور البيئة العملية والتواصل الرقمي مع اعتماد المزيدِ من الشركات على التقنيات الرقمية والعمل عن بعد، قد يشعر بعضُ الموظفين بالبعد عن ثقافة وهوية المنظمة، مما يؤثر على مستوى الولاء.
للحد من هذه التحديات على المنظمات أن تطبق بعض الإستراتيجيات لزيادة الإنتاجية والأداء العملي عندما يكون الموظفون مُلتزمين بشكل قوي بالمنظمة، فإنّهم يعملون بجهدٍ أكبر، وبذلِ مزيدٍ من الجهد لتحقيق أهداف المنظمة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء العملي والاستقرار وتقليل معدلات الانتقال ومن التكاليف المتعلقة بتدريب وتوظيف الموظفين الجدد مما يعزز الثقة والتعاون كما يُساهم في بناءِ ثقافةٍ من الثقة والتعاون بين الموظفين، مما يُسهم في تحسين بيئة العمل وزيادة فعالية التواصل والتعاون في المنظمة (العجمي: 2016، 400).
الحرص على وجودِ هيكلٍ تنظيمي مرن، مع توافر توصيف وظيفي واضح مع توفيرِ أجورٍ وحوافز (مادية ومعنوية) مناسبة وعادلة لجميع العاملين لتحقيق العدالة في التعامل مع جميع العاملين، وتطبيق القوانين واللوائح على الجميع من خلال معايير موضوعية في تقييم الأداء والترقيات في بيئة ديمقراطية عن طريق مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات والأخذ بالاعتبار الاحتياجات الشخصية والوظيفية للعاملين، مع التركيز على رفعِ الروح المعنوية والاهتمام برفاهيتهم وتدعيم العلاقات الإنسانية (غير الرسمية) بين العاملين (أمين:2022، 20).
وختامًا يمثل الولاء التنظيمي عنصرًا حيويًا وهامًا في نجاح المنظمات واستمراريتها في التطور والنمو، لذا فإنّ الشعور بالانتماء والانفعالات الإيجابية التي يشعر بها الموظفون تجاه منظماتهم يعكس الروابط العاطفية والمهنية التي تجمع بينهم وبين بيئتهم العملية.
وعليه فعندما يكون لدى الموظفين الولاء التنظيمي يكونون على استعدادٍ لبذل المزيدِ من الجهد والإبداع والالتزام لدعم رؤية وأهداف المنظمة، كما يسهم الولاء التنظيمي في بناء ثقافة عمل إيجابية، وتعزيز التعاون والتفاعل بين أفراد المنظمة، لذلك فإنه من المهم على القادة والمديرين في المنظمات فهم أهمية الولاء التنظيمي، والعمل على تعزيزه، وذلك من خلال إقامة بيئة عمل محفزة وداعمة، وتقديم فرص التطوير والترقية، وبناء علاقات تفاعلية قائمة على الثقة والاحترام.
المراجع:
– عبدالله، محمد حمزة أمين (2022) محددات الولاء التنظيمي وآثاره، جامعة بني سويف، المجلة العلمية لكلية الآداب، العدد (4).
– العمري، عبيد عبدالله (2004)، “بناء نموذج سببي لدراسة تأثير كل من الولاء التنظيمي والرضا الوظيفي وضغوط العمل على الأداء الوظيفي والفعالية التنظيمية”، مجلة أم القرى للعلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية، 16 (1)، يناير،2004 ص115-146.
– عبدالرحمن، محمد عبدالحميد (2010) الحوافز والولاء التنظيمي في المنظمات، جامعة الفاتح.
– الساكت، ياسمين؛ وحمدان، روان (2011) التحفيز وأثره على الولاء التنظيمي للأفراد العاملين في المؤسسات الحكومية. رسالة ماجستير غير منشورة. فلسطين: كلية الاقتصاد.
– أنيس، إبراهيم وآخرون (2004)، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط.4.
– حسن الساعاتي وسامية الساعاتي، تصميم البحوث الاجتماعية: مناهجها وطرائقها وكتابتها، القاهرة: دار الفكر العربي، الطبعة الثالثة.
– العجمي، نواف بنت عبدالعالي (2016)، “الولاء التنظيمي وعلاقته بالإبداع الإداري لدى مديرات المدارس الثانوية بالمملكة العربية السعودية: دراسة ارتباطية”، المجلة التربوية الدولية المتخصصة، 5 (10)، ص.4.

زر الذهاب إلى الأعلى