بين الحاجة…والمبالغة
من الظواهر الاجتماعية المقلقة في أغلب المجتمعات ظاهرة الاستهلاك التفاخري والتي تعني أن ينفق الشخص مبالغ وأموال باهضة قد تفوق قدرته الاقتصادية على سلع ومنتجات غير ضرورية، وذلك بغرض التباهي والتفاخر والظهور بمظهر مميز في المجتمع، مع اعتقاده أنه بذلك يعزز ظهوره الاجتماعي ويتميز أمام الآخرين، فيبدأ الاستهلاك من هذا المنطلق في فقدان معناه الوظيفي في المجتمع، وبالتالي يحدث خلل وعجز عن تحقيق التوازن بين الفوائد الشخصية والالتزامات الاجتماعية.
هناك عدة دوافع وراء ذلك السلوك من أبرزها البحث عن المكانة الاجتماعية وتعزيز الصورة الذاتية أمام الآخرين، حيث يسعى الفرد لإظهار قدرته الشرائية واستطاعته لامتلاك السلع الثمينة كامتلاك السيارات الفارهة والمنازل ذات الفخامة والأجهزة الشخصية بمواصفات عالية والمجوهرات أو عمل المناسبات الفاخرة ليعزز بذلك من مكانته وظهوره الاجتماعي وليحصل على تقدير أو تبجيل واحترام الآخرين، فقد يشعر البعض أن استهلاكه لنوع معين من السلع ولا سيما بالثمينة أو النادرة أو من علامة تجارية معينة قد تكسبه رموزاً تميزه عن الآخرين، حيث يرى بأن الممتلكات الاستهلاكية مؤشر على النجاح الشخصي والتفوق الاجتماعي، وعليه يأخذ نمط الاستهلاك التفاخري دوره في تشكيل الهوية الاجتماعية، فيسعى الأشخاص من هذا النوع إلى محاولة التفوق على غيرهم من خلال استعراض ممتلكاتهم.
كذلك يعد للإعلانات التجارية دور كبير في المساهمة في بروز تلك الظاهرة وخاصة في ظل تعدد وسائل الاتصال وتنوعها وانتشارها والتي قد تعزز من تلك الثقافة من خلال ترويجها للمنتجات الثمينة والفاخرة وإبرازها على أنها رمز للتميز، وقد تربط أحياناً عرضها بشخصية مشهورة أو غنية فيتأثر المتلقي بتلك الرسائل، أيضاً من الدوافع هوس تقليد بعض الشخصيات البارزة في المجتمع ومحاكاة لطبيعة حياتهم وممتلكاتهم، حيث يستمر الشخص في السعي للحصول على الصورة المثالية التي رآها حتى وإن كانت تفوق قدرته الاقتصادية.
وبذلك فإن لتلك الظاهرة ومن المؤكد العديد من الآثار السلبية على الأسر اجتماعياً واقتصادياً، حيث إن فرط الاستهلاك في الأمور غير ضرورية يخل بميزانية الأسر وترهق كاهلهم وقد يجدون أنفسهم أمام التزامات مالية متعددة، أيضاً تؤدي بالبعض وخاصة غير المقتدر مالياً بتجنب الحضور لبعض المناسبات الاجتماعية لعدم استطاعته الاقتصادية ويصبح الشخص الذي لا يستطيع مواكبة ذلك عرضة للتهميش أو الشعور بالانخفاض الاجتماعي وفقد لبعض علاقاته الاجتماعية.
وعليه وللتصدي لتلك الظاهرة ولعدم تفاقمها في المجتمع ينصح بزيادة الوعي الاجتماعي والاستهلاكي، وذلك بالتوعية بالأضرار الاجتماعية والآثار السلبية التي تحدثها، وتجنب إعطاء قيمة اجتماعية لأشخاص أو التقليل من شأن أشخاص بناء على قدراتهم الشرائية وما يملكونه من سلع، وبتجنب السعي بالظهور بمظهر يفضله أ و يرضي الآخرون، وليكن لدى الشخص قناعة بقدراته و بما يملك وعدم مقارنة نفسه بالآخرين. وبتبني الأسر أساليب استهلاكيه أكثر استدامة ووعي، كاتباع أسلوب الاعتدال في الاستهلاك ووضع الأولويات الضرورية والغير ضرورية للسلع الاستهلاكية بما يتناسب مع المستوى الاقتصادي الحقيقي للأسرة، وعدم جعل وسائل الاعلان هي من يحدد تصوراتنا واحتياجاتنا الاستهلاكية.