الهابيتوس: المشاعر كقوة دافعة
في حياتنا اليومية، نعتقد أننا نتصرف استنادًا إلى إرادتنا الحرة، لكن الواقع أن الكثير من تصرفاتنا وتوجهاتنا هي نتيجة لآلية خفية تشكّلها عوامل اجتماعية عميقة تُدعى الهابيتوس.
مفهوم الهابيتوس معقد، وقد مر عبر العديد من العلوم مثل الفلسفة، علم النفس، والأنثروبولوجيا. لكن بيير بورديو يُعتبر من أوائل العلماء الذين أولوا هذا المفهوم عناية قصوى، وطوّره وشغّله في أبحاثه. ونظرًا لثراء المعجم العربي، يمكن القول إنه يعني: السمة، السيماء، السجية، التطبع، الطابع الاجتماعي، الخصائص النفسية والاجتماعية، أو العادات اليومية.
الهابيتوس (Habitus):
هو أحد المفاهيم المركزية التي قدّمها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، ويشير إلى مجموعة العادات والتصورات والتوجهات الذهنية والسلوكية التي يكتسبها الأفراد من خلال التفاعل مع بيئتهم الاجتماعية.
يمثل مفهوم الهابيتوس، كما قدّمه بيير بورديو، جسرًا بين عدة ثنائيات تحكم حياتنا اليومية. فهو يدمج بين الذاتية والموضوعية؛ إذ تتشكل مشاعرنا وسلوكياتنا بتأثير البُنى الاجتماعية، وفي الوقت نفسه نحمل القدرة على التأثير فيها من خلال الممارسة.
كيف يعمل الهابيتوس؟
يُظهر الهابيتوس كيف تتحول المشاعر (مثل الخوف أو الحماس) إلى أفعال ملموسة، بفعل التفاعل بين العوامل الفردية (مثل الطموح) والبُنى الاجتماعية (مثل القيم الثقافية). كما أنه يكسر الثنائية بين الإرادة والهيمنة، موضحًا كيف تُمارس القوى الاجتماعية نفوذها بشكل غير مباشر عبر العادات والتصورات. ومع ذلك، يمنحنا الوعي بهذه العملية فرصة لتحويل المشاعر السلبية إلى طاقة إيجابية.
الهابيتوس والتحفيز الذاتي:
يمكن استخدام مفهوم الهابيتوس لتحويل المشاعر إلى قوة دافعة من خلال بناء عادات جديدة تتناسب مع الأهداف الشخصية.
مثال 1: إذا كان الهابيتوس يميل إلى الاستجابة السلبية للتوتر، يمكن تغييره تدريجيًا من خلال ممارسة الرياضة أو التأمل كعادة جديدة للتعامل مع المشاعر.
مثال 2: إذا نشأ الفرد في بيئة تدعم دائمًا السعي نحو النجاح في العمل، فإن الهابيتوس قد يعزز هذه القيم داخله. ولكن مع الوقت، يمكن تعديل هذا الهابيتوس لتحويل مشاعر القلق أو الضغط إلى طاقة موجهة نحو النجاح الشخصي، عبر عادات جديدة مثل الرياضة أو تنظيم الوقت.
عندما يتطور لدينا الهابيتوس المتمثل في التأمل أو التفكير الإيجابي، يصبح لدينا القدرة على تحويل مشاعر القلق إلى شعور بالطمأنينة والقدرة على مواجهة الصعوبات.
خاتمة:
الهابيتوس ليس مجرد مجموعة من العادات الموروثة، بل هو القوة الخفية التي تشكّل تصرفاتنا وتوجهاتنا اليومية. هو أداة ديناميكية تساعدنا على التأقلم مع الحياة وتحقيق طموحاتنا. من خلال الوعي به وإعادة تشكيله، يمكننا أن نصبح أكثر قدرة على النمو وتحقيق النجاح الشخصي والمهني.