النجاح المكذوب!

في حياتي المهنيّة وجدتُ من يجيدون رياضة التسلّق، درّبوا أنفسهم عليها، لكن المثير في الأمر أنّها لم تكن سوى رياضة تُمارس على أكتاف الآخرين، فلعلّك صادفتَ ما صادفتُهُ، وقد تكون صاحب التجربة بنفسك!

يُوصف التسلّق على أكتاف الآخرين بمفردة دون غيرها وهي (التسلّق) لما تعطي من معنىً يوحي بالسّيطرة المُكرهة، أو المأخوذة عن استغفال، وتوحي أيضًا بما هو أبعد من ذلك بأن ثمّة ارتفاعينِ متفاوتين أحدهما في الأرض، والآخر على مسافة أعلى، كأن يكون أحدهما في مكان ثابت والثّاني في مكانٍ متحرّك، متطوّر ومستمرّ، على مسافة متلاصقة مع النّجاح والتفوّق. فكيف لذلك الثّابت أن يصلها دون جهد؟

يسعى المتسلّق على الأكتاف أن يوجّه أنظاره نحو شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يُحاوطون بالنّجاح والوصول والمناصب والاتّساع والتّقدير والصّيت الكبير لمهاراتهم، وعلى الأكيد الوصول لمكان يُقال فيه عن شخص إنه ناجح وفي مكانه المناسب لا يحصل إلّا بعد خطوات كبيرة من الجهد والعمل والسّعي والانتكاس والوقوع ثمّ النهوض، ولا يتسنّى ذلك دون المرور بالمعاناة والقوّة والإصرار والتحدّي وتخطّي العقبات على مرّ الأيّام والسّنين. هنا يأتي دور المتسّلق الذي يتّصف بعكس النّاجح.

ما الذي يدفع أحدهم ليكون متسلقًا على أكتاف الآخرين؟

النّجاح تراكم تعب ومثابرة واستمراريّة، وتسلّق الآخر على كتف النّاجح سواء في العمل أو في مكانٍ آخر ليس سوى دليل على اتصافه بالكسل والفشل عن تحقيق ما يريد دون أن يسحب من الثّاني جهده، ويصل مكانه دون أن يمشي خطوة في أن يكون الشّخص الذي أراد بتعبه وجهده هو نفسه، فبذلك يكسب الوصول السّريع في امتطاء القمّة عن طريق استغلال الآخر، والتقرّب منه، وإبراز الوجه المنافق له من أجل أن يثبت نفسه أمام الآخرين، ويشبع حاجته بالشّعور في أهميّته، إذ يمتاز المتسلّقون بتلك الصّفات كأسلوبٍ يتّخذونه للتقرّب ممّن يوسّعون لهم في المراتب وينالونها. وأحيانًا تصل الأمور بالمتسّلق إلى الخديعة فيسحب منصبًا أو عملًا أو إدارة أو معلومات من غيره ويبقيه صفرًا بعدما حصده بعرقه وكفاحه.

في النّهاية مَن الفائز في معادلة التسلّق، ومن يوضع جانبًا؟

إذا كنتَ ممّن يريد الوصول بطرق ملتوية ومهما كان نوع الوصول لا يهمّ، فواردٌ جدًا وصولك، لكن تأكّد أنّك في كلّ مكان تصل إليه ستصل ناقصًا من كلّ شيء، وأكثر ما ستفتقده أخلاقك، ولن تنال الاستحسان كما خُيّل إليك. بعد الوصول هناك خطوات أصعب تكمن في أن تحافظ على ما حصلت عليه وذلك لا يكون إلّا في حفظك الخطوات التي اتّبعتها وصارت خلفك. ماذا لو تكن قد خطوتَ إحداها وتجاوزتها ببعض صبر وتعب وعمل؟
وفي المحصّلة نسبة كبيرة من المتملّقين والمنافقين تمكّنوا فعلًا من التسلّق على أكتاف الآخرين، وقد يكونون ممّن فازوا، وبعضهم من خسر، لكن المسألة دائمًا تبدأ من سعي الإنسان تجاه هدفه وما أراد، والمخيف أنّ المتسّلق هو منافق وكاذب وقريب جدًا حتّى قد يتعذّر عليك اكتشافه، على ذلك لا بدّ أن تحتفظ لنفسك بمفاتيح وصولك، وأن تتحلّى بالكتمان مهما استطعت حتّى لا تُلدغ من جحر ولا مرّة.

ومهما كانت المكانة التي حصل عليها المتسلّق إلّا أنّه صغير الحجم أمام من يبذر خطواته ويحصدها بعد سنين، وفي الغالب نحن لا يمتّعنا الوصول بقدر ما نستلذّ بتفاصيل الرّحلة وعقباتها، فليكن وصولنا ممتعًا، وأكتافنا عريضة عالية لا يمكن لمتسلّق أن يتعلّق عليها.

صالح هليّل

ماجستير في الخدمة الاجتماعية | دبلوم عالِ في الإرشاد الأسري | أخصائي اجتماعي في وزارة الصحة
زر الذهاب إلى الأعلى