الفراق الحلال

إنّ‭ ‬المعنى‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬إليه‭ ‬الخلع‭ ‬هو‭ ‬مفارقة‭ ‬المرأة‭ ‬للرّجل،‭ ‬إذ‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬المفارقة‭ ‬تتمّ‭ ‬بالطّلاق،‭ ‬وهو‭ ‬الإجراء‭ ‬الذي‭ ‬يتّخذه‭ ‬الرجل‭ ‬لإنهاء‭ ‬الزواج‭ ‬طالما‭ ‬أنّ‭ ‬استمراريّته‭ ‬غير‭ ‬محققة،‭ ‬والخلع‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬كليهما‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬ذاتها؛‭ ‬لكن‭ ‬الخلع‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المرأة‭ ‬مقابل‭ ‬تعويض‭ ‬يصدر‭ ‬منها‭ ‬للرجل‭ ‬وهو‭ ‬الصدّاق‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬حقّها‭ ‬غالبًا،‭ ‬وهذا‭ ‬أمرٌ‭ ‬شرّعه‭ ‬الإسلام‭ ‬لأنّه‭ ‬لم‭ ‬يستحبّ‭ ‬بقاء‭ ‬المرأة‭ ‬مع‭ ‬زوجٍ‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬ترضاه‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬الاستمرار‭ ‬معه‭ ‬وهذا‭ ‬يترتّب‭ ‬عليه‭ ‬إلغاء‭ ‬الحقوق‭ ‬بينهما،‭ ‬وربّما‭ ‬أفشى‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬ضررًا‭ ‬وضررًا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الكراهيّة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلجأ‭ ‬المرأة‭ ‬إليه‭ ‬كحلٍّ‭ ‬لإنهاء‭ ‬علاقتها‭ ‬بزوجها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأسباب‭ ‬الدّافعة‭ ‬له‭ ‬مقنعة‭ ‬وغير‭ ‬ناشزة‭.‬

وما‭ ‬يدفع‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬الخلع‭ ‬هو‭ ‬حدوث‭ ‬كراهيّة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬زوجها‭ ‬فلا‭ ‬تؤدّي‭ ‬الحقّ‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عليها،‭ ‬فيقع‭ ‬الطّلاق‭ ‬من‭ ‬الزوج‭ ‬لكن‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلبها،‭ ‬فتعطيه‭ ‬ما‭ ‬أخذت‭ ‬منه‭ ‬وتتنازل‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يتمّ‭ ‬الخلع‭.‬

فهل‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬توجب‭ ‬الخُلع،‭ ‬وهل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬عاطفيًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المرأة؟

لا‭ ‬ريب‭ ‬أنّ‭ ‬احتماليّة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬الخلع‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬إيجابيًا‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬سلبيًا،‭ ‬وهذا‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬واستعمال‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬وجهها‭ ‬الصحيح‭. ‬فالجواب‭: ‬نعم‭. ‬قد‭ ‬تُقدم‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬الخلع‭ ‬لأسباب‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬ومنها‭ ‬أن‭ ‬تتزوّج‭ ‬برجلٍ‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬زوجها‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬عيب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬إنما‭ ‬لرغبة‭ ‬منها‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الترغيب‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬لهذه‭ ‬الامرأة‭ ‬والتلاعب‭ ‬بمشاعرها،‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬مدفوعة‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬صديقاتها‭ ‬بمقارنة‭ ‬حياتها‭ ‬بحياتهنّ،‭ ‬أو‭ ‬حتّى‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬سبب‭ ‬مقنع‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬وعيها‭ ‬وشعورها‭ ‬بالمسؤوليّة‭ ‬المترتّبة‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬الزّواج،‭ ‬حيث‭ ‬ترى‭ ‬أنّ‭ ‬أيّ‭ ‬خلاف‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬زوجها‭ ‬يستوجب‭ ‬حلًا‭ ‬واحدًا‭ ‬هو‭ ‬الخلع‭. ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإنّ‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬النّساء‭ ‬اللواتي‭ ‬أقدمْن‭ ‬على‭ ‬الخلع‭ ‬لم‭ ‬يكنّ‭ ‬جاهزات‭ ‬دينيًا‭ ‬وتربويًا‭ ‬وتوعويًا‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬مسؤوليّة‭ ‬الزواج،‭ ‬وفي‭ ‬تنشئة‭ ‬عائلة‭ ‬وبناء‭ ‬أسرة‭ ‬متماسكة‭.‬

وأيضًا‭ ‬وجدت‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬من‭ ‬ندمت‭ ‬على‭ ‬قرارها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬وانتهى،‭ ‬ومنهنّ‭ ‬مَن‭ ‬رجعنَ‭ ‬عنه‭ ‬بحلول‭ ‬صلح،‭ ‬ومنهنّ‭ ‬من‭ ‬كنّ‭ ‬على‭ ‬حقّ‭ ‬ولم‭ ‬يتّخذنه‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استنفدْنَ‭ ‬الفرص‭ ‬والحلول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقويم‭ ‬العلاقة‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنقطع،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬انقطعت‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بالخلع‭. ‬

وهل‭ ‬جاء‭ ‬الخلع‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الزّوجين‭ ‬والأسرة‭ ‬وما‭ ‬يترتّب‭ ‬عليهما؟

طالما‭ ‬أنّ‭ ‬استمراريّة‭ ‬أيّ‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬تؤدّي‭ ‬غايتها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬روابط‭ ‬متينة‭ ‬من‭ ‬المحبّة‭ ‬والمودّة،‭ ‬ولأنّ‭ ‬الزّواج‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬العلاقات‭ ‬حاجةً‭ ‬إلى‭ ‬المودّة‭ ‬والودّ‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشجّع‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إنهائه‭ ‬ومخالفة‭ ‬الشريعة‭ ‬لأنّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬ضررًا‭ ‬على‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬حقوقهما‭ ‬وفي‭ ‬مشاعرهما‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحمّلهما‭ ‬من‭ ‬أذيّة‭ ‬نفسيّة،‭ ‬وخاصّة‭ ‬الزّوجة‭ ‬إذا‭ ‬حملت‭ ‬على‭ ‬الإكراه‭ ‬والإجبار‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬زوجة‭ ‬لزوج‭ ‬غير‭ ‬راضية‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬معه،‭ ‬وعدا‭ ‬عن‭ ‬الأسرة‭ ‬وباقي‭ ‬أفرادها‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬عليهم‭ ‬سلبيًا‭ ‬من‭ ‬بقائهم‭ ‬تحت‭ ‬جناح‭ ‬طرفين‭ ‬بينهما‭ ‬كره‭ ‬وعداوة‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬اتفاق،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬في‭ ‬محصلة‭ ‬ذلك‭ ‬يقع‭ ‬الأثر‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أنّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مخالفة‭ ‬لما‭ ‬يرضي‭ ‬الله‭ ‬والرسول؛‭ ‬إذ‭ ‬طالما‭ ‬وضّح‭ ‬القرآن‭ ‬أحقيّة‭ ‬المرأة‭ ‬بهذا‭ ‬القرار،‭ ‬ومنحها‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬حتّى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مرغمة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬لا‭ ‬تناسبها‭ ‬وتبقى‭ ‬عمرها‭ ‬كلّها‭ ‬سجينة‭ ‬ومقيّدة‭.‬

ونشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬القوانين‭ ‬منحت‭ ‬المرأة‭ ‬حقّ‭ ‬الخلع،‭ ‬ووقفت‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬وفقًا‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلاميّة،‭ ‬وأيضًا‭ ‬نوّه‭ ‬الإسلام‭ ‬ونبّه‭ ‬الرسول‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬للرجل‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬مع‭ ‬امرأته‭ ‬أسلوب‭ ‬التضييق‭ ‬والإهانة‭ ‬مقابل‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬الطلاق،‭ ‬فيدفعها‭ ‬مكارهة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تخالعه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬وتدفع‭ ‬له‭ ‬أمواله‭ ‬التي‭ ‬أعطاها‭ ‬إيّاها‭ ‬كمهرٍ‭ ‬وصدّاق،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نراك‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فتحوّل‭ ‬حقّ‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تبتزّ‭ ‬به‭ ‬لتخلص‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬غير‭ ‬مريح‭ ‬وغير‭ ‬مسؤول‭ ‬ولا‭ ‬واعٍ‭ ‬لبناء‭ ‬زواج‭ ‬واضح‭.‬

وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬فإنّ‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬الأسباب‭ ‬المنطقية‭ ‬لن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬صائبًا‭ ‬وعلى‭ ‬الأقل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أولاد‭ ‬فالخسارة‭ ‬في‭ ‬شريك‭ ‬جدير‭ ‬بالحياة‭ ‬الزوجيّة‭ ‬معه‭.‬

وهذا‭ ‬جيّد‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬للنساء‭ ‬مخرج‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تستخدمه‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تحاصرت‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬زواج‭ ‬سامّة‭ ‬ومع‭ ‬رجل‭ ‬لا‭ ‬يخاف‭ ‬فيها‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬يرعى‭ ‬لها‭ ‬واجبًا‭ ‬ولا‭ ‬يحترم‭ ‬لها‭ ‬وجودًا‭. ‬

صالح هليّل

ماجستير في الخدمة الاجتماعية | دبلوم عالِ في الإرشاد الأسري | أخصائي اجتماعي في وزارة الصحة
زر الذهاب إلى الأعلى