عوضًا عن لون عينين وبشرة، هل يورِّث الآباء لأبنائهم الأزمات النفسية؟

جميعنا على علم بأن الصدمة النفسية يمكن أن تؤثر على صحة الفرد النفسية والعاطفية والجسدية مدى الحياة، فهل حقًا من الممكن أن تنتقل هذه الصدمات جينيًا؟
الصدمات النفسية الناجمة عن إساءة معاملة، اعتداء، أو انعدام الاستقرار المادي والغذائي من المنطقي أن يكون لها القدرة على التأثير على حياة الأجيال القادمة.
ما سبق ذكره لا ينافي أهمية الأثر الإيكولوجي أو الاجتماعي من حيث الظلم والعجز والمشاعر السلبية الأخرى، لكننا نلاحظ أهمية الذاكرة الجينية عبر الأجيال “Transgenerational trauma”
الصدمة تعيد إلى العقل كل الصدمات التي سبقتها وتحييها من جديد، ما لم تتم معالجتها جذريًا فآثارها النفسية لن تنتهي مع إعادة بناء الذات والتأقلم، بل ستحملها الأجيال من جيل إلى جيل؛ والخطر ليس هنا بل يكمن في الأعراض التي سوف يعاني منها الأبناء بشكل غير مرتبط بالظروف التي سيعيشونها، وقلق غير مبرر، وعدم استقرار بالرغم من توفر كل العوامل لعكس ذلك.
الكثير من المواقف القاسية التي يعيشونها الآباء في طفولتهم أو عند الكبر، أحزان ومشاعر يتجاهلونها ويلهون في الحياة عنها، تبقى تؤثر في حياتهم وحياة أبنائهم إلى الأبد. وكل هذه الأحداث تظهر بأشكال غير متوقعة لأبنائهم، جانب خفي بكيانهم لكنه مؤثر جدًا، أبناء جنود أسرى الحرب مثال جيد في الدراسات المتعلقة، ولكن هذه ليست الصورة كاملة، إنما لجعل المقالة أكثر وضوحًا فقط.
فهل يمكن لوباء كوفيد-19 والضغط الشديد الذي عشناه انذاك أن يسبب تغيرات جينية في نسلنا وينعكس على أبنائنا؟ بالنسبة للدراسات هذا مُحتمل، ولكن الوقت وحده هو الذي سيخبرنا بالحقيقة.
ختامًا، الصدمات جزء لا يتجزأ من رحلة الحياة فلا تهابها، بل اعتبرها فرصًا للتغيير واستخدمها كوقود لاكتساب القدرة على التكيف ومعرفة ذاتك، فعندما تواجهك صدمة، ابحث عن الطرق التي يمكنك من خلالها التشافي والمضي قدمًا. الإنسان يمتلك من الصمود والمرونة ما يفوق توقعاته.

هلا العصيمي

بكالوريوس الخدمة الاجتماعية بمرتبة الشرف الأولى، باحثة مشاركة بالمؤتمر العالمي السادس للعلوم الاجتماعية المتقدمة في جامعة كامبريدج، مهتمة بالابتكارات الاجتماعية والأبحاث الإنسانية وحاصلة على شهادة مشروع الابتكار الاجتماعي من وزارة الصحة، حاصلة على وسام مسك للإعداد المهني.
زر الذهاب إلى الأعلى