استِغفال الشَّريك سَبَبًا في مَوت العَلاقة الزَّوجِيَّة!

تَقوم العَلاقات البَشريّة في أساسِها على الشَّراكة، والأصل مِن الشَّراكة تَبادُل المَنافِع والمَصالِح، اشباعًا للاحتياجات والرَّغبات الفِطرية والمُكتَسَبة. والشَّراكة الزَّوجية أقدَس عَلاقة مَعروفة عِند البَشَر؛ لِما لها مِن القُرب والالتِصاق والدَّيمومة بالشَّريك، وما يَتَرتَّب عنها مِن آثار ونتائج على الشُّركاء ومُجتَمعهم الأصغر والأكبر.
تَبدأ هذه العَلاقة بارتِباط شَريكين مُتَوحِّدَيّ الهَدَف مُختَلِفَيّ الخَصائص، وهذا جَوهَر إقامتها. يَنطَلِقان مِن بيئات مُتَفرِّقة مُتبايِنة الطِّباع والثَّقافة والسَّمت، إلى إنشاء وتنمية بيئة واحِدة جَديدة. قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحُجرات: 13).
قد تَكون بيئة أحَد الشَّريكين الأولى أكثر انفتاحًا أو انغِلاقًا مِن الأخرى، فيظهَر ذلك على أنَّ أحدهما أكثر دَرَبة على مُجاراة الواقِع مِن الآخَر! لَكِن قد يُساء فَهم وتَقدير ذلِك، حتى يَصِل إلى تَكوين قَناعات وتَصوُّرات مَغلوطة عن الشَّراكة والشَّريك! فَتُحمَل مُقوِّمات العَلاقة السَّوِيَّة إلى غَير مُسمياتها وأهدافِها! على حَدٍّ سَواء أصَدَر ذلك بِشَكل فَرديّ بينهما أو بِشَكل جَمعيّ بِتَفاعُل بيئتَيهما! فنَجِد أنَّ طَرَفًا يُريد أن يَطغى على حِساب الآخَر، لا يُريده شَريكًا مُختلِفًا بَل شريكًا مُذابًا تَبَعًا، أو شَريكًا نِدًّا خَصمًا!
إنَّ سُوء فَهم وتَقدير الطَّرَف الآخَر مِن العَلاقة، لَهُوَ أكبَر مُعزِّز لِبواعِث السُّلوكيّات غَير المَرغوبة والَّتي لا تُحمَد عُقباها؛ فَهوَ أوَّل ما يَدفَع لِفَقد الاتِّزان والتَّوازُن، ويُغرِّر الطَّرَف بالاستِمرار واعتياد الخَطأ بِحَق الآخَر! مِن هذا التَّغرير أن يَرى الطَّرَف القادِم مِن البيئة الأكثَر انفتاحًا، أنَّ شَريكه الأقَلّ جاهِزيّة لِمُجاراة الواقِع هو شَخص مُغَفَّل غير مُدرِك بما يَدور حَوله، مِمّا قد يُوَلِّد في نَفسِه استِغلال هذا الأمر لاستِغفالِه في مَواطِن قد لا تَدور لِشَريكِه، فإذا ما قوبِل ذلك باستِجابة غَير مُوازِية تَمادى في استِغفالِه وصولًا إلى مَواطِن أكثر حَساسية!
وتَكون الحَقيقة أنّ شريكه لَيسَ بِمُغَفَّل، إنَما هو غَشيم وقَليل خِبرة ومَعرِفة وما يزال قَيد الاستِكشاف للواقِع الَّذي خَرَج إليه.. قيد التعلَّم وتَكوين التَّصوُّرات الجَديدة، وقَيد فَهم الشَّريك! فتَكون هذه نُقطة الفَصل الَّتي تَموت عِندها العَلاقة الزَّوجِيَّة.. وإن استمرت قائمة في شَكلِها ولم تَنتَهِ بالطَّلاق!
إنَّ بِناء وتأسيس أيّ عَلاقة إنسانِيّة يتطلَّب مِنّا حُسن التَّربية ومَكارِم الأخلاق، وتَمرين الذّات على فَهم وتَقبُّل الآخر، والتَّعويد على تَحمُّل المَسؤولية في الحُقوق والواجِبات، والتَّحَلِّي بالصَّبر الجَميل عندَ أجمَل وأقدَس عَلاقة.

عُلا أسامه فرج

أخصائية اجتِماعية، باحِثة ماجستير خِدمة اجتِماعية. فِلَسطين- غَزّة.
زر الذهاب إلى الأعلى