الخير فيما اختاره الله
إنّنا جميعًا ندّعي الرضا بقدر الله كيفما كان، ولا نفتأ نقول: “الخير فيما اختاره الله”، غير أن المصيبة إن نزلت علينا أحزنتنا، فصرنا يائسين قانطين من رحمة الله تعالى، فأين ذهب الرضا والقناعة؟
إن القلوب –معظمها –لم تعقل هذا الأمر بعد، إننا ما نزال في خشية مما ينتظرنا غدًا، وما نزال نقارن أنفسنا بالآخرين في كل شيء، إلّا العبادات وما يقرّبنا إلى الله، فأنّا لنا أن نقتنع؟
- الثقة بالله:
نحن ندرك إدراكًا تامًّا –لأننا مسلمون –أن الله بيده كلّ شيء، والله أعلم بنا من أنفسنا، فقد وصف حالنا معه في آيات كثيرة، منها: “يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ” وأذكر هنا قصة يعقوب عليه السلام، والذي لم يقنط من رحمة الله، وكانت لديه ثقة تامة بأن الله سيعيد له ابنه مهما طالت السنين، فجازاه الله بصبره، فأعاد له بصره ثم ابنيه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: “مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَانَ لَهُ بِهَا أَجْرٌ”.
وهنا أنقل لكم قصة جميلة، كنت قرأتها عن الثقة بالله:
ورد أن شقيق البلخي ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، لسفره في تجارة، ولم يلبث إلا مدة يسيرة ثم عاد ولقيه إبراهيم، فعجب لسرعة إيابه من رحلته، فسأله: “لِمَ رجعت؟”
فقص عليه قصة شهدها؛ أنه رأى طائرًا أعمى كسيحًا، وجاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة لقادر على أن يرزقني.
وقرر العودة، فقال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز، ولا تكون أنت الطائر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمره على العمي من حوله، أما سمعت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: “اليد العليا خير من اليد السفلى” (متفق عليه).
فهذه الثقة الكاملة التي اعترت شقيق بأن الله يرزقه ولو جلس بداره، ولو أن فيها نظرًا، إلّا أنها ثقة محمودة.
- الرضا بما قدر الله لنا:
إن الرضا بقضاء الله وقدره من أركان الإيمان الستة، والله سبحانه وتعالى يقول في هذا الشأن: “مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”، وصدق الشاعر إذ قال:
فَظَنّي فِيكَ يَا سَنَدِي جَمِيلٌ | وَمَرْعَى ذَوُدِ آمَالِي خَصِيبُ |
والرضا ينقسم إلى أقسام أربعة:
– الرضا بالله ربًا.
– وبالإسلام دينًا.
– ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا.
– وبما قدره الله لك: سواء كان سيئًا أو حسنًا.
والرضا يشعر الإنسان بالطمأنينة في كلّ أمره، فيكون واثقًا في الله، بيقين، أنه لن يقدّر له إلى الخير، والله أعلم بالخير وموضعه.