وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
على قصر الجملة المقروءة في العنوان إلّا أنّه بإمكانها أن تُحيلك إلى مواقفَ كثيرةٍ وعديدةٍ تتطلّب أن تستريح إلى جانبها برهةً من الزّمن وتتفكّر في المعنى الذي تذهب إليه.
“لا تنسوا الفضل بينكم” كأوسع عباءة بإمكانها أن تضمّ وتحتوي العلاقات ما امتدّ منها وما انقطع. فمن منّا يتعرّى عن علاقاته ويتجرّد من دائرته التي تنطلق من عائلته وحتّى أصدقائه وشركائه وزوجه، فتتبلور في شكلها الأمثل من القرب وعيش حياة مشتركة بين طرفين من المفترض عند بدايتها أن تنحو نحو الأبديّة، لكن للأسف ذلك ما لا يحصل دائمًا فلا نتوقّع حدوث الانفصال أو البعد بسبب أو دون سبب، بإرادة أو دون إرادة.
وفي الحقيقة هنا يبدأ قياس مدى عمق ما كنّا فيه من مشاعر وأسرار ومواقف، فإذا قلنا لا بدّ من أن يتحلّى كلّ من تخلّى عنه شخص بأخلاق ما بعد العلاقة، فذلك أمرٌ حتميّ ونسمع به كثيرًا، لكن جاء القرآن حاملًا ومؤكّدًا لذلك الواجب الأخلاقيّ بقوله تعالى: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.”، وهنا ذكرت في بعض كتب التفسير على أنّها مخصوصة بالأزواج وحالهم بعد الانفصال، وربّما كان التأكيد على هذه العلاقة بالذات باعتبارها تنطوي على كثير من التفاصيل والأسرار والطباع المكشوفة لكلا الطّرفين، فينبغي إذا ما حدث انشقاق لأحدهما عن الآخر ألّا ينسوا الفضل بينهم، وذلك عدا عن كونه تعليمًا قرآنيًا إنّما هو أيضًا واجب طالما كان بينهم أقلّ الفضل، والأيّام جمعتهم يومًا ما.
وتستدعى تلك التوصية الوجوب سواء خلّ الآخر بغير ذلك، فتصرّف على نحو غير مرضٍ فأفشى سرًا، أو قدّم أذيةً، أو أحدث ضررًا نفسيًا أو حياتيًا للآخر، فعلى الثّاني أن يغضّ نظره عن ذلك التصرّف، ويعمل بما جاء عليه القرآن وبما تنشأ عليه النفوس العظيمة التي ترعى حرمة العهد.
فكثيرنا تعرّض لما لا يستسيغه من شريكه أو في علاقة مهما اختلفت تسميتها، ولم نحصل في تجاربنا على بقاء ثابت، إنّما هي محطّات بعضها ثبت وبعضها لا.
وفي الأحوال جميعها، فإنّ لحظة واحدة مساندة كفيلة بأن يحرص الواحد فينا على أن يصون ويرعى ما مضى، وأن يقف على بعض من الفضل المنصرم، ومن الكرم في مكان ما وشيم الأخلاق أّلا ننسى ولا نتناسى الودّ وإن مضى، والعهد وإن انقضى، حيث يبقى الشريك شريكًا في وقتٍ ما، وتبقى الشراكة محلّها في تلك الفترة.