للتضحية حدود

لو لم تكن التضحية أعظم ما يمكن للإنسان أن يقدّمه لما كان هناك وجود للعائلات بما يمنحه الأبوان من تضحيات منذ بداية حياتهما في سبيل الأبناء، ولم نجد أيضًا اختبارًا لمدى صداقة في وقت تطلّب من أحد الطرفين أو كليهما أن يبذل تضحيةً حيال الآخر، وهكذا سائر العلاقات التي تطلّبت رصيدًا إضافيًا من الاهتمام والعطاء   والبذل الذي ساهم في استدراك موقف أو تفادي خسارة ما.

لكنّ الأمر دائمًا ينقلب على صاحبه في حال خرج عن الحدّ المعقول في تقديم تضحيته، ولم تعد عليه سوى بالنّدم والخسارة، ويحدث ذلك عندما نندفع بطلاقة إلى التضحية المجهولة في طريقها الذي تذهب إليه، فلو طُلِب منك أن تبذل وتضحّي بما يخرج عن طاقتك كإنسان، فهل يحسب ذلك لك على أنّه فضيلة لا بدّ من امتلاكها ومنحها تحت أيّ ظرف وأيّ وقت؟

يبدو هذا من اللامنطقي قليلًا، فكما كلّ شيء له وزن وله قيمة وله كذلك حدود فكذلك التضحية، وليس من المعقول أيضًا في كونك طرفًا في علاقة ما أسريّة أو غيرها أن يجعلك المبادر دومًا أو مَن يُلقى عليه  القيام بها، وعلى هذا  الشأن فإنّه من الجيّد أن تُراعى التضحيّة لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ من يعطيها إنسانًا له مثل ما عليه، وأن ينال منها تقديرًا أو فائدة فليس من العيب، وإن كانت التضحية غير مشروطة بمردود، لكنّ القصد هنا أن تُعرف إلى أيّ وجهة ذاهبة فيها، وألّا يكون في تقديمها  إهانة للنفس أو تنازلًا فتنقلب عكسًا.

وفي هذا إن قالوا لك إنّ التضحية لا تحتاج تفكيرًا، فقل بل على العكس، هي شعور وبذل وطاقة، وقد لا يكون من تُطلب منه مستعدًا لها، أو ظرفه مناسبًا ليتسنّى له أن يكون مضحيًا، فمنها المال، ومنها الوقت، ومنها المشاعر.

ولكلّ حدود، حتّى التضحيّة تلك التي عرفت بأنها حدّ لا مجال له، ويمكن أن نعدّ ذلك تصحيحًا لمفهوم أنّ التضحية واحدة ومتساوية أمام الجميع، بل قد تكون غير محدودة لأشخاص يُوضع العمر أمامهم دون أدنى ندم، بينما ليست كذلك في الكثير من علاقاتنا اليوميّة.

صالح هليّل

ماجستير في الخدمة الاجتماعية | دبلوم عالِ في الإرشاد الأسري | أخصائي اجتماعي في وزارة الصحة
زر الذهاب إلى الأعلى