هل اليأس مُقدّمة للإبداع؟
احتمل الإبداع مسوّغات عدّة، فكلّ مبدع له قصّته الملهمة التي جعلت منه أديبًا أو موسيقيًا أو رسّامًا، وكأن هناك شيء ما دفعه لأن يحلّق في ساحته الخاصّة خارج العوالم المتشابهة فتولّد الإبداع على دفعات، واستمرّ بدءًا من شرارة ما تسببت في أن تشتعل حرائق الإبداع في حياته وتتوهّج.
فهل يعدّ اليأس معنى من معانيه، أو حتّى دافعًا من دوافعه، أو مقدّمة من مقدّماته؟
لا يخفى الأمر على الكثير بأنّ اليأس على مرّ الأيّام كان محفزًا مهمًا لصاحبه وربما كان أداة من أدواته، والأمثلة كثيرة على ذلك سواء من المبدعين العرب أو من الغربيين، حتى وإن ارتبط مفهوم الإبداع في عقولنا بما يشمل الفنون والثّقافة، لكن في الحقيقة لا يخلو جانب من جوانب الحياة من إبداع صاحب له، وفي كلا الحالتين امتلك الكثير تجربة أفضت إلى اليأس وفقدان الأمل فتفرّغ ذلك إلى نوع خاصّ من التصرّف وخاصة فيما لو كان بالأساس ذلك الشخص في قرارته مَيل لخلق ما هو استثنائيّ وسُدّت الطّرق أمامه، فتراه في آخر نقطة من كأس أمله شربها فأنبت محلّها إبداعًا كبيرًا.
فكم من قصيدة وكتاب وأغنية ومسيرة جديدة واختراع نادر ترافق مع حالة يأس ثمّ انطلاقٍ فذّ عملاق.
على الوجه الآخر لا ينفي ذلك على أن يكون اليأس ماءً تطفئ نار الإبداع، ففي حالات كثيرة نجد أنّ المبدعين تخلّصوا من إبداعهم عندما لم يجدوا مكانًا له، ولم تتيح لهم الظّروف في أن يصل صوت إبداعهم وتحرّيهم لما يستشاط في أنفسهم، وبالتالي فإنّ ذلك سيقعدهم عن ممارسة شغفهم وتشجيعه بأساليبهم الخاصة فتأتي النتيجة بالتوقّف.
وهذا هو بذاته سلاحٌ ذو حدّين بالضّبط؛ فما كان بإمكانه أن يحرّك الإبداع في داخلك ويخرجه إلى السّطح بألوان مختلفة، هو ذاته بإمكانه أن يحبطك ويجعلك منحسرًا للوراء. وهذا ارتبط بماهيّة الأشخاص، وبتحريض الإبداع عندهم، وبالدوافع التي من أجلها يعمل اليأس محركًا وباعثًا أو مثبطًا.