ماذا لو كان مرضك مجرد وهم!
حكى أن رجلًا كان مشهورًا في أحد القرى بعلاج سحري، ذهب له كل المرضى من أجل العلاج، وكان معظمهم يُشفى، سمع أحد الأطباء بهذا الرجل، وسأل عنه فعرف أن لديه محلولا سحريا يُذهب كل الأمراض، كان الطبيب يعاني من عسر الهضم، حتى علاجه لنفسه لم يُفلح، فذهب للرجل لعلّ الطب لم يكن وجهة صحيحة، ما إن زاره تفاجأ ببساطة الرجل، سأل الرجل البسيط الطبيب عن مرضه، ثم أخذ محلوله السحري وأعطاه، بعد مرور دقائق شعر الطبيب أنه في بالنشاط، وكأن معدته أصبحت أكثر صحة، فأخبره أنه طبيب ولم يفلح معه أي علاج، سأله الرجل هل كان يعتقد أنه سيشفى بالعلاج، فهز الطبيب رأسه نافيا، ثم سأله الرجل مرة أخرى هل كان يعتقد أنه سيشفى بالمحلول السحري، فأجابه الرجل أنه فعلا كان واثقا من شفائه بسبب آراء الناس، ليضحك الرجل البسيط ويخبره أنه الوهم هو المرض الحقيقي، أما المحلول السحري مجرد خرافة، فهو لا يعدو كونه كأس ماء مع ملعقة زهر وسكر.
قد تكون القصة مجرد كتابة أردت أن أصل بها المعنى، لكنها ليست خيالية، فمعظم الناس ما إن يشعر بألم عابر، حتى يبدأ بتأويلات لا نهاية لها، حتى تتحول تلك التأويلات لحقيقة واقعية.
وهكذا يتم تعريف الوهم المرضي بأنه مجموعة من الأفكار الخاطئة والغير المنطقية التي تتصف بعدم الموضوعية، والمبنية على توقعات وتنبؤات وتعميمات خاطئة ومن خصائصها أنها تعتمد على الظن والمبالغة والتهويل بدرجة لا تتفق مع الإمكانات العقلية للفرد.
وكي نبسط هذا المفهوم فالتوهم المرضي يشابه شخصا دائما ما يخبر من حوله أنه مريض بالقلب، ويشعر بضغط على صدره، رغم كل الفحوصات ونفي الطبيب يظل شعوره متأصلا، دائما يبالغ بردود فعله، وكأنه شعور حقيقي.
قد يبدو لأول وهلة أن صاحب هذا الشعور يعبر عما يحس به فقط، وقد لا نعيره اهتماما اعتقادا منا أنه سيكون مؤقتا، لكنه هوس قد يتحول لسلبية لا نهاية لها، قد تصبح اكتئاب ثم يصير موتا لا قدر الله.
وكي نسبر أغوار هذا السلوك، نرجع إلى المصادر التي قد تسهم في تناميه، وتجمع العديد من الدراسات على أن الأسرة قد تلعب دورا أساسيا في هذا، إلى جانب الثقافة المجتمعية. دون أن نغفل على المصدر الأساسي للتوهم المرضي، وهي وسائل الإعلام، ونتذكر موجة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم، وكيف لعب الإعلام دورا كبيرا في تهويل الجائحة، وكيف ارتفعت مقاييس القلق لدى الناس، مما جعل العديد منهم يأخذ جلسات نفسية للخروج من هالة التهويل التي عاشوها.
كل العوامل قد تجعل الشخص يعيش جحيما لا يطاق، خوف دائم، رغم الصحة الجيدة يرى أنها متدهورة، وكأنها فوبيا لا تشعر، يظل يراقب نبضه، وضغطه ومعدل تنفسه، حتى الطبيب نفسه لا يمكن أن يوقف مخاوفه، الإشكال أن العديد منهم يستنفدون جزءا كبيرا من الرعاية الصحية والموارد العلاجية دون جدوى.
وفي إحصائيات للولايات المتحدة الأمريكية، بلغت 92 % أن مترددين للعيادات لا يعانون مرضا حقيقيا بل شكاوى وظيفية فقط.
وهذا ما ينم عن خطورة هذا السلوك الخارج عن الإرادة، وينبغي للمجتمع والإعلام والأسرة على حد سواء مساعدة والوقوف مع هذه الفئة، ومعرفة ما يجب تداوله دون تهويل للنفسيات، وأي شخص يشعر باستفحال هذا الشعور داخله ينبغي أن يغيره للإيجابية ويستشير أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، للخروج من هذه الحالة بدل أن يرهق الأطباء الآخرين بعدم تصديقه أنه بصحة جيدة.
تبقى الإيجابية، واختيار ما نشاهد ومن نعرف عوامل أساسية للابتعاد عن مثل هذا الهوس الذي يضر صحتنا النفسية.