رِفقًا بالقوارير
هناك بون وفرق شاسع بين المرأة العربية، وأختها في الأمم الأخرى، إذ كانت “المرأة تسبى وتباع وتورَّث، وللآباء أن يؤجروا أبناءهم لموعد، وأن يبيعوا بناتهم القاصرات بيع الرقيق وأن يقتلوهن […] وبعض الأديان ترى أن المرأة هابطة المكانة، وأنها خُلِقت للرجل، ففي رسالة (بولس) إلى أهل (كورنثوس): “أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل””[1].
لكن نظرة الإسلام إلى المرأة مغايرة تمامًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائقُ الرجال”[2].
إن الإسلام الحنيف “ارتقى بالمرأة وبلغ بها أوج الكمال، ورفع من شأنها […] ونظم حقوق المرأة وواجباتها، وجعل لها دستورا تلتزم به، ولا تحيد عنه. “وَلَهُنَّ مِثْلُ الذِّي عَلَيهِنَّ بالمَعْرُوفِ وَللرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ” والدرجة هذه هي ما عناها القرآن الكريم بقوله: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّل اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”[3].
وكل هذه المكانة التي منحتها الشريعة الإسلامية للمرأة كحق لها، أخذه الغرب عن العرب ليرفعوا المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، إذ “كان الأغارقة، على العموم، يعدون النساء من المخلوقات المنحطة التي لا تنفع لغير دوام النسل وتدبير المنزل […] وتعامل المرأة المسلمة باحترام عظيم فضلًا عن تلك المميزات”[4].
لقد رفع الإسلام عن المرأة وصمة العار، وجعلها مماثلة لأخيها الرجل، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في غير موضع إلى أن الرجل والمرأة يكمّل بعضهما بعضًا، فهما شقيقان، خُلِقا من نفسٍ واحدة: “يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَّاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كثِيراً وَّنِسَاءً”[5] وسوّاها معه في العمل والجزاء: “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّنْ ذَكَرٍ أَوُ انثى وَهُوَ مُومِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمُ أَجْرَهُمْ بأَحْسَنَ مَا كَانوا يَعْمَلُونَ”[6].
وفي القرآن الكريم أمثلة لا تحصى عن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، ففيه سورة بطولها باسم “النساء”، وفيه سورة النساء الصغرى “الطلاق”.. وغير ذلك من الآيات المبثوثة في السور الأخرى.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن نساء، لإيمانهن، منهن امرأة فرعون: “وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلذِينَ ءامَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ”[7].
فالقرآن الكريم دستور وردت فيه آيات تبين “حقوق المرأة بشكل لا يقبل النقاش أو الجدل، قد منح المرأة المسلمة كافة الحقوق التي ساوتها بالرجل، ورفعها من المكانة الوضيعة التي كانت فيها إلى مصافّ الانسان العامل المنتج..”[8].
- القوارير:
شبّه النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير، فنصح الرجال بالرفق بهن، فهن سريعات التأثر والتّكسر، وكما قال الشاعر:
إنَّ القُلُوبَ إِذَا تَنَافَرَ وُدُّهَا مِثْلُ الزُّجَاجَةِ كَسْرُهَا لَا يُجِبَرُ
فالمرأة مهما اشتد عودها، أو قويت تظل ضعيفة أمام الرجل، وهذا الضّعف ليس منقصة، بل هو ما تمتاز به المرأة، أنوثتها وضعفها مقارنة بالرّجل.
إذًا فلها معاملة خاصة، لا يقهرها الرجل ولا يظلمها، ويحسن إليها متى عاش، فتنتقل من قوامة والدها، إلى قوامة زوجها معززة مكرمة، وهذا ما يفوق الرجل به المرأة، إنفاقها لا غير.
- نساء المجتمع:
لطالما سمعنا أن المرأة نصف المجتمع، وتربي النصف الآخر، وهذا كائن بالفعل.
إن المرأة إن صلحت صلح المجتمع كلّه، وإن فسدت فسد، فهي الأم، والأخت، والزوجة والابنة.. ومهنة الأم أعظم مهنة، فنحن تلقينا على يد الأمهات دينًا، علمًا، معرفة، وسلوكًا.. فمتى فسدت الأم، فسد الأبناء، وبذلك يفسد المجتمع.
- النساء في عيون الرجال:
قرأت قبل أيام رسالة الطنطاوي: يا بنتي، قد كتبها ليرشد بنات هذا المجتمع إلى طريق العفة والصلاح، فالرجل ما رأى فتاة “إلا جردها بخياله من ثيابها ثم تصوّرها بلا ثياب”[9]. ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الرجال بغض البصر، والنساء بالتستّر.
- كيف يعامل الأب ابنته؟
على الأب أن يكون حكيمًا، كما كان شعيب عليه السلام حين طلبت منه إحدى ابنتيه أن يستأجر موسى عليه السّلام، “إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ”[10]، وتوّاً فهم الأب مقصد ابنته، وفطن إلى إعجابها به وبقوته وأمانته، فخاطب موسى قائلا: “إِنِّي أُرِيدُ أَنُ انكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَاجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ”[11]. وأعرض هنا تفسيرًا لهذه الآيات الكريمات لفهم المقصود:
“واستجاب الشيخ الكبير لما اقترحته عليه ابنته، وكأنه أحس بصدق عاطفتها، وطهارة مقصدها وسلامة فطرتها، فوجّه كلامه إلى موسى قائلا: “إِنِّي أُرِيدُ أَنُ انكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ”.
أي قال الشيخ الكبير لموسى مستجيبًا لاقتراح ابنته: يا موسى إنّي أريد أن أزوّجك إحدى ابنتي هاتين.
ولعلّه أراد بإحداهما، تلك التي قالت له: “يَأَبَتِ اسْتَاجِرْهُ”، لشعوره –وهو الشيخ الكبير، والأب العطوف، الحريص على راحة ابنته –بأن هناك عاطفة شريفة تمّت بين قلب ابنته، وبين هذا الرجل القوي الأمين، وهو موسى عليه السلام..”[12]
هكذا يكون الأب حكيمًا، فالشيخ هنا؛ ما أنّب ابنته لإعجابها بموسى عليه السّلام، ولكنّه كان جسرًا بينها وبينه، وحقّق لها ما تمنّته دون أن تفصح عنه.
فعلى الأب أن يكون حكيمًا رحيمًا عطوفًا على ابنته، متفهمًا لها، واثقًا بها، وذلك بعد أن يسلّحها بما تحتاجه لخوض غمار هذا العالم الموبوء.
- كيف يعامل الأخ أخته؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ َلَهُ الجَنَّةُ” وفي رواية قال: “ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ بِنْتَانِ أَوْ أُخْتَانِ”[13]. فإن كانت الأخت يتيمة، كفلها أخوها، فأدبها وعلمها وأنفق ماله عليها حتى تتزوج وتموت. ولها حق الإحسان والرعاية، وعدم المحق في الميراث.
- كيف يعامل الزوج زوجته؟
يقول الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[14]، وقد جاء في تفسير هذه الآية: “جعل بينكم مودة ورحمة قال ابن عباس ومجاهد: المودة: الجماع، والرحمة: الولد، وقاله الحسن: وقيل: المودة والرحمة عطف قلوبهم بعضهم على بعض. وقال السدي: المودة: المحبة، والرحمة: الشفقة، وروي معناه عن ابن عباس قال: المودة حب الرجل امرأته، والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء”[15].
فلعل هذه الآية تختزل العاطفة بينهما، وكما قال تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ”[16].
وجاء في تفسيرها كذلك:” ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف. كما ثبت في صحيح مسلم [1218] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكم عَلَيهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ). وفي حديث بهز بن حكيم عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أَن تُطعِمَهَا إِذَا طَعِمتَ، وَتَكسُوَهَا إِذَا اكتَسَيتَ، وَلا تَضرِبِ الوَجهَ، وَلا تُقَبِّح، وَلا تَهجُر إِلا فِي البَيتِ) [2142]، وصححه الألباني. وقال وكيع عن بشير بن سليمان عن عكرمة عن ابن عباس قال: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم “[17].
فلو أننا أحسنا معاملة النساء كما عوملن من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رحمهم الله، لكان لنا خير عظيم، وربما كنّا أحسن حالًا.
[1] محمد بدر معبدي، أدب النساء في الجاهلية والإسلام، ج1، ص7.
[2] حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد، 5869.
[3] محمد بدر معبدي، أدب النساء في الجاهلية والإسلام، ج1، ص6.
[4] جوستاف لوبون، حضارة العرب، ص 418- 422.
[5] النساء، الآية 1.
[6] النحل، الآية 97.
[7] التحريم، جزء من الآية 11.
[8] باسمة كيّال، المرجع السابق، ص 63.
[9] علي الطنطاوي، يا بنتي، ص13.
[10] القصص، جزء من الآية 26.
[11] القصص، جزء من الآية: 27.
[12] الوسيط، للطنطاوي، ص 388 تفسير سورة القصص.
[13] رواه أبو داود.
[14] سورة الروم، الآية 21.
[15] تفسير القرطبي، تفسير سورة الروم، الآية 21.
[16] سورة البقرة، الآية 228.
[17] تفسير ابن كثير، ص36.