وضاقت حلقاتها
وحينما نضيق، ما الذي يضيق، هل هو الجسد الذي يعتل، أما هي البصيرة التي تتلاشى،
حتما أنها تضيق بكل من يرفض التأقلم، وهذا الشعور بمسبباته الداخلية والخارجية التي لا يعلمها إلا الشخص نفسه.
فهل نحن نقارن ذلك الشعور بشعور الانفراج حيث الحياة وتجدد الأمل.
فبمن تضيق الأرض،
فالأرض تضيق على الحاسد لأنه يتمنى زوال النعم، فالنعم لا تأتي إليه.
وتضيق الأرض على الغاضب لأنه لا يراء النور.
وتضيق الأرض على المريض لأنه لا يراء العافية.
وتضيق الأرض على العاجز لأنه لا يراء المستقبل.
كما تضيق الأرض على كل شخص لا يرضا ولا يقنع بما لديه.
فهذا العالم باتساعه من الشمال وحتى الجنوب ومن شرقة إلى غربة ، قد يصغر ، حينما يكتئب ويضيق الحال ، فلا يعود لهذه الأقطار أتساع ، وهذا الشعور لا يمر مرور الكرام إنما يتوقف لبعض الوقت ليسلب بعضاً من الإرادة و ربما يغلب فيه الضعف ، وقد يكون هو المتحكم في إصدار الأحكام وردود الأفعال ، فلا يستقبل إلا ما يرضي هذا الضعف ، و به يكون الإحساس أقل حيث لا شيء يتلاءم ولا ينتمي ولا يقترب بسبب تأثيره على سير الحياة ، فالحياة عند الغضب وعند حدوث المنغصات والمشاكل ، تصبح كارثية بسبب عدم إيجاد الحلول وبعدم النظر للجوانب الأخرى الممكنة ، لما يسببه هذا الشعور على التفكير وبالنظرة السوداوي للأشياء ، الذي يجعل مدى الرؤية فيه ضعيف فتغلب فيه الألوان المعتمة والقاتمة التي لا حياة فيها ، كما أن هذه الضيقة هي من تجلب الأمراض سواء أكانت جسدية واضحة للعين أو خفية كالقلق والاكتئاب وغيرها من الإمراض النفسية ، فهي من تجعل لتوهم المرض حيز ، فيزيد الحال سوءً ، ، وقد تنتج عنه أفكار منها أن العالم من حوله لا يشعر بما يشعر به ولا يتألم كما يتألم ولا حتى يصرخ كصرخاته ، واحيانا عين السخط تلازم وتسيطر على عدم الرضا وقناعة بما هو متاح ، وكما أن النظر لما في يد الغير يجعل الاختناق قوي الأثر على صاحبة ، وأيضا للعلاقات الاجتماعية دور في التعرض لانتكاسات سببها الخذلان الغير متوقع ،، عندها يضيق ويضيق الحال فلا يبحث فيه عن نافذة الأمل ويزداد الاختناق ، كما أنه عند التخلي يحدث القصور في الفهم للأمور وعدم إدراك وفهم للحلول ، فيزداد هذا الشعور المتزاحم فيضيق من كل شيء و لأي شيء .
كل ما ذكرنا يحصل عندما يغلق المراء عيناه عن كل شيء جميل في هذه الحياة، فلا أحد يفقد الشعور، طالما نحن نعيش في هذا العالم، فتقلبات الحياة تعصف يميناً ويساراً، فالقرار متاح للجميع بالبقاء بفوضى معتركات الحياة، أو بالثقة بأقدار الله وأنها كلها خير، وهي السند والدعامة الثابتة.
وقد قال الإمام الشافعي”:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
ومعتركات الحياة التي تشبه الحلقات باتساعها وانغلاقها، فهي تتسع باتساع إفاقنا، وتضيق بضيق إفاقنا وتطلعاتنا وآمالنا وما نريد أن نكون عليه، فلنتعلم الرضا بالقدر خيرة وشره، فمتى ما تعلمنا استقمنا وإسقام حالنا.
فالرضا يجلب معه كل خير ….