العيد عيدين
ما معنى العيد ؟
العيد مشتق من عاد يعود .. والعيد عاد ..
العيد في اللغة : كل يوم فيه جَمْع، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد، لزم البدل، ولو لم يلزم لقيل: أعواد، كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود ..
وقد جاء الشرع مبينًا لما يمتاز به العيدان الإسلاميان؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، وما لهما من مكانة رفيعة، وما شرع فيهما من الواجبات والمستحبَّات، وما أبيح فيهما من لهوٍ بريء يمثل سماحة الإسلام، وإعطاءه للجسد حقَّه، وللنفس نصيبها، وللقلب متعته وللروح ترويحها وإعادة إنعاشها للحياة وصناعة البهجة والسعادة ومشاركة الأفراح والعطاء والفوز بالأجور بعد الطاعات والعبادات وإغتنام الفوز بالشهر العظيم الكريم .. وهذا يعُلمنا في ديننا أن بعد البلاء والصبر عوض وبعد المحنة منحة وبعد الكسر جبر وبعد الحزن والغصة فرحة وبعد المنع عطاء وبعد الحرب نصر وبعد الفوز غنيمة .. العيد عيدين .. ليس عيد الميلاد ولا عيد الحب ولا العيد الوطني ولا عيد الهالوين .. هي ايام فقط .. يوم الميلاد .. يوم الحب .. يوم الوطني .. يوم الهالوين .. وكل الأيام العالمية لا تمثل عيداً ..
لا تشتقو أعيادهم ولا تخلطوها بأعيادنا .. عيدنا عيدين .. وللفرحة فرحتين .. وللقبلة قبلتين .. وللحياة حياتين ..
اهلاً اهلاً بالعيد اهلاً .. يا زينة المواعيد وسهلاً ..
اليوم كل الناس أهلاً ..والفرح خير الناس فعلاً..
العيد دائماً يعود على هيئة فرحة مهما تراكمت الهموم والأحزان يُصنع بضحكة وقهقهة .. وبدهشة بعيون طفل بترقب وفضول .. أو على الأقل بتمعن وامتنان شيخ تسعيني يدرك أن ما يراه اليوم قد يكون الأخير الذي تراه عيناه في الحياة فيطيل النظر.. يتأمل أكثر، ويدرك بحكمته أن ما بقي له من أيام سيكون من السخافة حقاً إهدارها في حزن أو قلق!
لا أزعم أن الحياة فجأة ستتوقف غداً عن كونها بائسة، قاسية ومملة للغالبية العظمى منا، العيد لن يغير ذلك، لن يغير أي شيء، بل على العكس ستستمر الحياة ببؤسها وقسوتها حتى إشعار آخر، الحروب والمآسي ستتواصل، القتل والدمار لن يتوقفا عن الحدوث، الأحباب الذين رحلوا لن يأتي بهم العيد، والأحزان على الأرجح ستستمر هي الأخرى في التناسل! الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغيره العيد هو نظرتنا للأمور، للقليل الذي نملك، هو دعوة سماوية للانتباه، لنوجه نظرنا للتفاصيل الصغيرة، للهبات التي ألفناها، واعتدنا على وجودها، حتى حسبناها حقاً لا يمكن أن يُنتزع..
ثم أما بعد:
إنه العيد فلترحموا أنفسكم قليلاً من البؤس والتهجم، اعتبروا العيد مكاناً للتزود بالفرح، فاصل قصير نأخذ فيه استراحة من الحياة، زماناً خارج الزمان نعيد فيه ضبط البوصلة، بوصلة حياتنا نتناسى فيه الأحزان، ونرسم الابتسامة – ولو بالقوة – على وجوهنا، برغم الحياة وبرغم كل شيء نبتهج ليوم، نفرح ونتمنى..
نسامح الجميع، من غرسوا خناجرهم في ظهورنا وأولئك الذين غرسوها في قلوبنا، نسامح الجميع بلا استثناء، بما فيهم أنفسنا، نعم أيها السادة العيد فرصة لأن نغفر لأرواحنا ما ارتكبناه في حقها، أن نتسامح مع ذواتنا ونتخفف من الجميع، العيد فرصة أكثر من مناسبة لجرد الحساب، وتنظيف الذاكرة من الكراكيب الكثيرة التي بلا فائدة، وخيوط العنكبوت التي نُسجت فيها. ثم إياكم والرسائل المعلبة، لا تستخدموها، ولا تردوا عليها، فقط تجاهلوها.. هكذا رسائل لا يمكن أن تصل لقلب أحد مهما بلغت من البلاغة والجمال، صدِّقوني لن تصل لأحد لأنها منذ البداية لم تكن تعني أحداً بعينه.
ثم: ربي اجعل عيدك خير بداية لحياة مختلفة للملايين من عبيدك البؤساء على امتداد خرائط الأوطان الممزقة، اللهم بقدرتك أصلح حالهم، وبرحمتك أبدل بؤسهم سعادة. للبؤساء الذين لن يتذكرهم أحد.. لفقراء الجيوب والقلوب، لمساكين المال والبال، ولجوعى الخبز والمشاعر.. لأولئك الذين فقدوا أحبتهم، وأولئك الذين فقدوا أطرافهم.. ولمن فقدوا أوطانهم، وللبقية الذين فقدوا ذواتهم في ظل هذه المعمعة المسماة حياة.. وإليكِ.. كونوا بخير.. واصنعو لحياتكم وايامكم عيدين .. 🎉🎊
عيداً في دنياكم وعيداً في اخرتكم منعمين بجنتكم 🙏🏻💎🕊️🤍