البيئة التي تصنعك ..
لطالما سمعت مقولة دوستويفسكي:
“لا يمكنك أن تُشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضاً، غـــادر”.
ومقولة جلال الدين الرومي:
“هروبك مما يؤلمك، سيؤلمك أكثر. لا تهرب، تألم حتى تُشفى”.
مع أي المقولتين تتفق؟ ولماذا؟
اما انا أقول وأتفق ان لا شي هناك يساوي في هذه الحياة مثل قيمتك وكرامتك و روحك وليس هناك أثمن من صحتك النفسية وإستقرارك و إطمئنانك وأمانك الداخلي .. مهما كانت هزائمك و صراعاتك وعقباتك وفشلك وظروفك مع الحياة ..
ومهما كانت إنجازاتك نجاحاتك ووظيفتك وأموالك ورقم حسابك البنكي ومركزك الإجتماعي وعلاقاتك الأسرية والزوجية والإجتماعية .. مهما كانت مكانتك وبيئتك ليس هناك أثمن من قيمتك ..
لا تجعل ظروفك تفقدك اغلى ما عندك قيمتك بنفسك ..
أنت قيّم وغالِ عند الله مهما وضعك في البيئة التي تشقيك .. مهما كنت تشعر بالغربة وعدم الإنتماء وبعدم الأمان .. وإن بقيت او هربت و غادرت من البيئة التي تشقيك ستظل ذهباً وإن كنت في الطين وفي الوحل والمستنقع .. وإن دهست تحت الأقدام ودهستك ظروف الحياة .. الذهب يبقى ذهب والقيمة غالية مهما لوثته الدنيا لم يفقد شي من قيمته الذهبية .. وأنت لا تجعل ظروفك وبيئتك وأموالك تفقدك نفسك ومعدنك الغالي النفيس الذهب .. ليس مهماً ومطلوباً من احد أن يعرف حجم وثمن قيمتك .. لأن قيمتك صناعة جوهرية .. أنت من تحدد قيمتك وثمن معدنك وجوهرك و روحك ..«إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ»، هذه العبارة التي قالها الصحابي الجليل سلمان الفارسيّ – رضي الله عنه- لأخيه أبي الدرداء وأيدها المصطفى – صلى الله عليه وسلّم – قائلا: «إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا مِثْلَ الَّذِي قَالَ لَكَ سَلْمَانُ».فدائما ما نسمع هذه العبارات عندما ننهك أنفسنا في الاستذكار أو العمل فنسمع ممن يحبنا «إنّ لبدنك عليك حقّا»، وهنا يقصد المحب الإنهاك الجسدي والإرهاق العقلي التي سوف يعترينا من شدّة العمل أو الاستذكار.فإذا نظرنا إلى عبارة: «إنّ لنفسك عليك حقا» «وإنّ لجسدك عليك حقا» لوجدنا أنفسنا فقط نركز على أجسادنا وننسى أنفسنا، فالنفس كذلك لها حقٌ علينا فالألم النفسيّ أشدّ علينا من الألم الجسدي. فنحن لا نعير الجانب النفسي الكثير من الاهتمام، ونرى بأنّه من السخف مراعاة الجانب النفسي سواء لنا أو لغيرنا فكم من صامت ثائرا هائجا داخليا وبأقل مؤثر خارجيا يقذف بالحمم البركانية التي تتأجج في صدره وتصاب بالحيرة والذهول ألم يكن هادئا صامتا متزنا، ونحن لا نعلم ماذا يتوقد داخله من ألم أو حقد أو حسد.لذلك علينا مثل ما نريح أبداننا أن نريح النفس كذلك، وأن ننفض كلّ غبار داخلها باستمرار، وأن نجاهد أنفسنا لتخلص من كلّ ألم نفسي ألم بها من أجل أن نعيش في سلام داخلي وخارجي وكرم الله الإنسان صرّح القرآن الكريم بهذا التفضيل والتكريم، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً *} [الإسراء: 70].
فالإنسان ابن بيئته، تؤثر فيه سلباً وإيجاباً منذ مرحلة مبكرة جداً…
وهذا التأثير شأنه عظيم، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، فهو مفطور على الحق أصلاً، لكن البيئة من حوله تعديه، ويسري إليه منها أشياء كثيرة، وهذه العدوى سريعة؛ وخصوصاً عدوى السيئات، حتى قيل: إن عدوى السيئات أشد سرياناً من عدوى الحسنات، وحد الشرع للإنسان أن لا يجاوز حدود الله تعالى..
عليك أن تعي جيدًا أن هذه الحياة لن تخلو من السيّئين؛ ما دامت أرواحنا في أبداننا. دائمًا كن لطيفًا ولينًا، لا تُحاول أن تصنع من نفسك إنسانًا سيئًا لمجرد أن أحدهم أساء إليك، ولا تُقابل السيئة بالسيئة، وتذكر قوله تعالى: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”(فصلت:34 ). هُنا تظهر معدن النفوس الطيبة الذين ينتصرون على إساءة الناس إليهم…
لا تجعل الحقد، وإساءة الظن تأخذ منك حيِّزًا، دومًا نقي قلبك وروحك من الشوائب التي قد تلتصق بك في متاهة الطريق. قد يكون التعامل مع أصناف الناس من الأمور التي تأخذ منك وقتًا وجهدًا؛ لذلك عليك أن توطن نفسك أن تكونَ واسع الصدر، والصبر على الأذى، وكظم الغيظ، والحلم والعفو عند المقدرة، فأنتَ تتعامل مع عقول مختلفة، وبيئات متنوعة، وآراء متعددة…
لا تحاول أن تنتقم ممن أساء إليك، إياك ثم إياك أن تكون معول هدم، وقد كنت من ذي قبل معول لرأب الصدع، وتآلف الأرواح، يجب أن تسمو بروحك، عليك أن تتعامل مع الناس كما يتعامل الطبيب مع المرضى، قد يكون المرض واحد، والعلاج مختلف، وهكذا الناس لكل واحد منهم علاجه. الناس تحتاج من يكن قريبًا من أرواحهم المتعبة، يُداويها يخفف عنهم بشاعة هذا العالم، يبعث فيهم الأمل، وشق النور من وسط الظلام…
وأنا مع مقولة جلال الدين الرومي:
“هروبك مما يؤلمك، سيؤلمك أكثر. لا تهرب، تألم حتى تُشفى”
إحدى طرق التعافي من إيذاء البشر أن تنظر إليهم كمرضى ..
بعدها ستتحول نظرتك لهم من غضب إلى شفقة..
التعافي من الأذى يأخد وقت ، ليس كل يوم تستقيظ من النوم وانت فاهم نفسك ومدرك بمشاعرك ..
في مرات راح تصحى حاسس إنّه وجعك خف واتحررت منه ، وأيام ثانية راح تصحى كأنه لم يمر مُر الأمس .. . التعافي لا يكون بـِ خط مستقيم ، راح تصير طالع نازل ..
المهم لما تنزل ما تخاف، ماراح تعيد من الأول…
بل حتتقوى وتتعافي وتتشافى من كل ما يؤذيك ويجرح روحك ويقل بقيمتك .. لأن قيمتك لا تنكسر بما يؤذيك ..
أدركتُ أنَّ العافيةَ كلَّها في صحة جيِّدة، وبيت بعيد عن المُشاحنات، وعلاقات صحية طيبة وصادقة
وقِلَّة قليلة تحبُّنا بصدق…
فهمتُ أنَّ النجاحَ لا يُشترط فيه أن يكونَ شيئًا ملموسًا نسمعُ له دويَّ التصفيقِ..
لرُبما يكون النجاحُ في تجاوزِ موقف صعب..
التعافي من أزمة قاسية
أو القدرةِ على البدء من جديد..
وهذا اثمن نجاح صحتك النفسية وأمانك وإستقرارك الداخلي ..
المعاييرُ تختلفُ ..
والحياة متغيرة لا شي ثابت ..
ولا يَهُمُّ في ذلك إلا أن نحيا بها نحنُ، لا أن نحيا لنثبتَ أنَّنا نحيا… قيّمك وقيمتك هي إنعكاس حياتك 🫶🏻💎🤍
وتذكر ..
ليس مهم أين أنت ومن أين ولدت ؟
ليس مهم لون بشرتك ..
المهم أنت أين تضع نفسك ؟!
ومن محاوط حولك .. !!
وكيف الطريقة التي تعيش فيها ؟!!
في بعض الناس عايشين طول حياتهم كأنهم دولارين ..
وفي بعض الناس عايشين طول حياتهم كأنهم 200 دولار..
لكن ربنا سبحانه وتعالى خلقنا لنعيش كقيمة اكبر من هذه الأرقام الرمزية بالكثير والكثييير والكثيييييير …
وأنا أتفق مع عبارة جيم رون التي أستوقفتني بشدة وهي:
“إن لم يُعجبك مكانك قُمْ بتغييره، أنت لسْت شجرة”
وتذكر ابتعادك عن كل من لايقدر قيمتك هو حفاظ
على راحتك ، صحتك ، نفسيتك ، كرامتك .” 🫶🏻💎🤍